لم تكن خطوة تعاقد لبنان مع شركة ماكينزي وشركائها للاستشارات، من أجل مساعدته على إعادة هيكلة اقتصاده المعتمد في شكل رئيس على التحويلات والمصارف والرازح تحت وطأة معدّلات بطالة ثقيلة، في اتفاق تبلغ مدته 6 أشهر وكلفته مليون و300 ألف دولار أميركي، محط ترحيب أو إجماع في الداخل، بل العكس. فمكونات الحكومة الواحدة اختلفت في النظرة الى القرار، اذ سأل رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط "ألا يوجد اقتصاديون وكفاءات في لبنان حتى نحضر ماكينزي؟ هل ماكينزي ستستمع إلى خبرات الشفافين في الإدارات؟ وقال: هذه شركات أميركية تخرّب البلد. يلي جايبين ماكينزي حمير". بدوره، وزير الصناعة حسين الحاج حسن (حزب الله) انتقد الخطوة واعترض عليها في مجلس الوزراء. أما وزير الاقتصاد رائد خوري، فيبدو الاكثر حماسة للتعاقد، ذلك انه سيفضي في رأيه، الى وضع خطة اقتصادية تنهض بالبلاد بعد 28 سنة من التخبط لم تفلح خلالها كل الحكومات المتعاقبة في تحقيق اي خرق ايجابي على هذا الصعيد.
لكن بعيدا من السجال، وبما ان ما كتب مع "ماكينزي" قد كتب، تقول اوساط مالية لـ"المركزية" ان تعاقد لبنان مع شركة ماكينزي يضفي على عمل الحكومة صدقية تجاه المؤسسات الدولية على ابواب المؤتمرات الدولية الثلاثة المقررة للبنان. الا انها تشدد على ان الأهم يكمن في تطبيق الخطة التي سترسمها الشركة والالتزام بمندرجاتها. فلبنان لا يحتاج الى خطط، لا سيما وأن الكثير منها وضع في السابق وبقي حبرا على ورق، نائما في أدراج الحكومات والوزارات وعلى رفوفها، والتحدي هذه المرة هو بالتقيد بالخطط ووضعها موضع التنفيذ. ولا تخفي الاوساط هنا، خشيتها من ان يلقى ما ستقترحه "ماكينزي"، مصير اقتراحات واستشارات عديدة حصلت في السابق، أبرزها كان لبعثة "ايرفد" عام 1961.
وتشدد الأوساط على ان على لبنان القيام بواجباته على أتم وجه قبل المؤتمرات الدولية المرتقبة، والنوم على أمجاد تكليف "ماكينزي" لا يكفي. فلجني ثمار وافية من المؤتمرات، على الحكومة مسؤولية إنجاز الموازنة العام لعام 2018 وإدخال إصلاحات اليها كونها تحدد حجم الانفاق الاستثماري والانمائي بوضوح وتظهّر السياسة الاقتصادية وحتى المالية للحكومة. فتحديد هوية لبنان الاقتصادية، على مشارف تحوّله دولة نفطية، مهمة اساسية للحكومة يجب ان تنكب على انهائها بمعزل عن أعمال شركة ماكينزي.
وبذلك، تضيف الاوساط، تؤكد على جديتها في مواجهة التحديات الاقتصادية والاستحقاقات المالية ومحاربة الفساد وتحقيق الاصلاحات المالية والضريبية، فترسل اشارات مشجعة للدول المانحة من جهة، ولرجال الاعمال والمستثمرين من جهة أخرى، تعلمهم فيها بمصداقيتها وجديتها في انتهاج سياسات جديدة للنهوض بلبنان.
في المقابل، تطرح الاوساط جملة أسئلة حول دراسة ماكينزي ومصيرها، فتسأل كيف سيتعامل معها العهد اذا كانت تتعارض ومشروع التيار الوطني الحر الاقتصادي؟ وكيف سيكون موقف الحكومة منها وهل ستتبنى الهوية الاقتصادية الجديدة للبنان اذا كانت لا تتلاقى مع سياسات الحكومات السابقة ومع رؤية "تيار المستقبل" الاقتصادية؟ أما على الصعيد الوطني الاوسع، فتسأل مصادر سياسية مراقبة عبر "المركزية" عما اذا كنا سنشهد في الفترة المقبلة، عودة للمعادلة التي كانت قائمة إبان حقبة الوصاية السورية حيث اعطى الوصي لحلفائه في الداخل، القرار في السياسة الداخلية والخارجية للبلاد وفي الامن، وأطلق يد الرئيس رفيق الحريري في الاقتصاد والاستثمارات، مع تحوّل الاول الى حزب الله هذه المرة والثاني الى الرئيس الحريري الابن؟ الامر غير مستبعد، تختم المصادر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك