اذا كانت اقالة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وزير خارجيته ريكس تيلرسون وتعيين مدير الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) مايكل بومبيو بدلا منه، فاجأت معظم دول العالم فإنها جاءت في سياق طبيعي لدى عارفي ترامب والمقربين منه والقارئين في كتابه السياسي الذين توقعوا منذ فترة غير قصيرة خطوة كهذه، نظرا لكمّ الخلافات بين الرجلين بشأن قضايا كثيرة، يتعلق معظمها بأزمات منطقة الشرق الاوسط.
فالتغيير الاكبر في فريق عمل الرئيس الأميركي منذ انتخابه، يأتي كما تقول مصادر سياسية عربية في واشنطن لـ"المركزية" بعد أشهر من التوتر بين الرئيس وتيلرسون، اتخذ في ضوئها قرار التبديل الذي يشكل بالنسبة اليه حاجة وضرورة في هذه المرحلة. فرجل اميركا الاول يرتاح كثيرا لبومبيو ونهجه في مقاربة الملفات الذي يشبه نهج ترامب ويحتاج اليه قبل المحادثات المزمع عقدها وجها لوجه مع نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ اون في ايار المقبل، بعدما وافق على دعوة وجهها اليه مسؤولون كبار من سيول قبلها وأكد رغبته في اللقاء، وهو ما يمثل تطورا هاما وتاريخيا في علاقات البلدين بعد أشهر من تصاعد الأزمة في شبه الجزيرة الكورية، اذ انها المرة الأولى التي يلتقي فيها رئيس أميركي مع زعيم كوري شمالي.
هذا الحدث، يرى الرئيس ترامب، وفق المصادر ضرورة لمواكبته بفريق عمل منسجم ارتأى للوصول اليه تعيين بومبيو على رأس الدبلوماسية الاميركية لاعداد العدة اللازمة للحدث التاريخي لا سيما بعدما على وقف التجارب النووية والصاروخية واكد أنه "ملتزم بنزع السلاح النووي."
اما ثاني الملفات التي دفعت ترامب الى تغيير سريع، بحسب المصادر، فمشروع السلام الاسرائيلي- الفلسطيني الذي تناقضت وجهتا نظر الرئيس الاميركي ووزير خارجيته ازاءه الى الحدود القصوى حيث لم يخف على احد التفاوت الشاسع في الرؤية بين الرجلين في ما يتصل بإعلان القدس عاصمة لاسرائيل، اذ في وقت بدا ترامب متحمسا ومدافعا عن قرار نقل السفارة الأميركية الى القدس، كان تيلرسون بالغ الحذر في مقاربة الموضوع وقال في تصريحات عدة، إن نقل السفارة قد يستغرق أكثر من عامين، مؤكدا أن أي قرار نهائي بشأن وضع القدس، سيعتمد على المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويعتبر ترامب ان تعيين بومبيو صاحب الرؤية الامنية الذكية من شانه ان يدفع قدما المساعي الاميركية المبذولة في اتجاه مشروع السلام الاسرائيلي- الفلسطيني لتناغمه مع فريق العمل المكلف بالمهمة لا سيما صهر ترامب وكبير مستشاريه جاريد كوشنر ومبعوثه إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات.
وترى المصادر ان ثالث ابرز الملفات التي يريد ترامب مواجهتها بفريق عمل داخلي قوي، منسجم ومحصن يتصل بالمنازلة الكبرى التي يستعد لها الرئيس الاميركي ضد نظيره الروسي المتوقعة اعادة انتخابه فلاديمير بوتين، اذ تدل كل المؤشرات الى عزم على المواجهة، خصوصا مواقف الساعات الاخيرة بين واشنطن وموسكو التي ذهبت الى حدود الحديث عن مواجهة مباشرة في الميدان السوري، حيث أكدت الأركان الروسية، امس أن الجيش الروسي سيرد على أي ضربة أميركية على سوريا ويستهدف أي صواريخ ومنصات إطلاق تشارك في الهجوم. وقال رئيس الأركان، فاليري جيراسيموف، "إن موسكو سترد إذا تعرضت أرواح الجنود الروس في سوريا للخطر".
تبعا لذلك، تقول المصادر ان ترامب ارتأى تعيين بومبيو ليكون الى جانبه في سلسلة الاستحقاقات التي تستعد لها واشنطن، والافادة من حنكته الامنية والسياسية. واضافت الى جملة هذه العوامل، تراكمات سياسية لم يتمكن الرئيس الاميركي من "هضمها" من بينها رفض تيلرسون دعم المقاطعة التي تقودها الإمارات العربية المتحدة ضد قطر منذ 5 حزيران الماضي، ما تسبب بخلاف كبير بين البيت الابيض ورأس الدبلوماسية الاميركية
الذي يرتبط بعلاقات جيدة مع جميع قادة الخليج.
وتختم المصادر بالتأكيد ان إقالة تيلرسون ستنعكس مباشرة على طريقة تعامل واشنطن دبلوماسيا مع أزمات المنطقة، فهل تحمل معها رياح نهج اكثر تشددا في مقاربة مختلف الملفات؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك