يعمل كميل ممرضاً في دوام ليليّ، هو يرافق المرضى إلى منازلهم، يسهر إلى جانبهم لمساعدتهم في المراحل العلاجية في حالات المرض الشديد، وبعد خضوعهم لعمليات جراحية. كما يهتمّ أحياناً بالأشخاص المسنين غير القادرين على الاهتمام بأنفسهم، "تعوّدت هيك، بسهر بالليل وبنام بالنهار، بس أنا بلّشت إتعالج نفسياً، عندي شعور بالإحباط ومش مبسوط بشي، ما بعرف إذا النوم بالنهار والسهر بالليل عم يسبب هالشي"، يقول كميل الذي انقطع عن كل النشاطات الترفيهية والرياضية كي يتفرّغ لعمله ويؤمّن لقمة عيشه.
هل للنوم علاقة بالاضطرابات النفسية؟ هل تسبب قلة النوم القلق والإحباط؟ هل يؤثر نمط النوم على علاقاتنا مع الآخرين؟
تنعكس نوعية نومنا على حياتنا، على مستوى إنتاجيتنا، على مزاجنا وتركيزنا، على العلاقة مع الآخر، مع الشريك وأفراد العائلة والأصدقاء، كما على صعيد العمل والدراسة في حال كنا مدراءَ أو موظفين أو طلاباً.
لا تسمح مساحة منزل أهل لميا بغرفة خاصة لها، فتنام في غرفة الجلوس، وتقول: "عليّ أن أنتظر مغادرة الزوار ونوم الجميع كي أخلد للنوم، لكني أشعر بانزعاج دائم من رائحة السجائر، كما أنني لو حاولت النوم قبل أن يطفىء والدي التلفزيون، أغفو بصعوبة بسبب الضجيج والضوء. أما رائحة الطعام التي تتسرب إليّ من المطبخ عند الصباح الباكر، فتدخل إلى عمق أحلامي؛ حلمت مرة بأن جدتي تزورنا حاملة معها طبخة ملوخية برائحتها الشهية، وإذا بي أصحو لأكتشف بأن رائحة الثوم والكزبرة من ملوخية أمي قد ملأت البيت وأنفي".
أسباب كثيرة تؤدي إلى اضطرابات في النوم، منها متعلقة بالفرد بشكل مباشر، كالمشاكل الصحية المرضية، والاضطرابات النفسية، ومنها المتعلقة بالمحيط الخارجي كالهواء والضوء والضوضاء وغير ذلك. فمن أجل نوم سليم لا بد من هواء نقي ونظيف، وفرشة مريحة وصحية، وجوّ هادئ، وحرارة معتدلة.
الأسباب المتعلقة بالصحة كثيرة، قد تكون تناول دواء معين أو ألم ناتج عن الخضوع لعملية جراحية أو رضوض وكسور بعد الحوادث، أو آلام لأسباب صحية أخرى، كما قد تكون ببساطة بسبب اضطراب بالهرمونات أو التقدم في السن.
نفسيّاً، قد نُصاب بالإحباط والاكتئاب جراء المجريات الحياتية المؤلمة، كالصعوبات الاقتصادية والمشاكل والصراعات العائلية، وفقدان الأشخاص الذين تربطنا بهم علاقات عاطفية، بسبب السفر أو الموت، كذلك القلق عند الأشخاص الذين تسيطر عليهم الأوهام والأفكار السلبية، كما يُعتبر اضطراب النوم من الأعراض المصاحبة لبعض الاضطرابات النفسية كالبارانويا والوسواس القهري، والفصام...
يؤدي التدخين والإدمان على الكحول وتناول المنشطات، بالإضافة إلى الإدمان السلوكي على الألعاب الإلكترونية ولعب الميسر إلى الأرق ليلاً. كما يعاني من صعوبة الخلود للنوم الأشخاص الذين لا يعملون بحسب برنامج منظم، "لا أستطيع النوم باكراً، لأنني أعمل بدوامين مختلفين، فعندما يكون دوامي في النهار أجد صعوبة في النوم ليلاً، والعكس صحيح"، تقول عبير التي تعمل في فرن يفتح أبوابه ليل نهار.
تعددت أسباب اضطرابات النوم المضرة والمؤذية بالصحة الجسدية والنفسية، ومن الضروري أن نعمل على تحسين نومنا، وألّا نهمل عدم قدرتنا على القيام بذلك بشكل صحيح لأنه سوف يؤثر لا محالة على إنتاجيتنا وعلاقاتنا الشخصية والعملية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك