أرجأتُ كتابة هذه السطور كثيراً. وتردّدتُ قبلها مراراً. فالكتابة عن ملحّن بقيمة زياد بطرس هي ربّما من أصعب ما يكون. ملحّنٌ نادرٌ يفرض، في آنٍ معاً، هيبةً قبل الكتابة عنه، أثناءها وبعدها... وشغفاً فيها! اليوم، سأكتبُ بعضاً ممّا أشعر به ببساطة.
لم يطلّ زياد بطرس في حوار صحافيّ وتلفزيوني منذ نحو أربع سنوات، إلى أن حلّ أخيراً ضيفاً مميزاً على برنامج "منا وجرّ" عبر شاشة mtv. لطالما جمع زياد الذكاء وخفّة الظلّ في آنٍ معاً، ولطالما كان الأكثر تفوّقاً فيهما.
من النادر جداً أن يتحلّى رجلٌ واحدٌ بهذا الكمّ الكبير من المواصفات الجميلة والمحبّبة: ذكاء لافت، ولا مبالغة في كلمة "دهاء"، عفوية، مبادئ مترسّخة، خفة ظلّ، إحترام، خُلُق، تواضع، شخصية ثائرة، إجتهاد، تلقائية وعدم تكلّف، طيبة قلب، جاذبية في الكلام والأسلوب، إحساس مرهف، عينان تلمعان صدقاً، عمق في الفكر، كرامة، وفاء، رؤية، عظمة و"جنون" في اللحن. إبداعٌ لا ينضب...
ليس شرطاً أن تَعرِف زياد عن قرب حتى تكتشف كلَّ هذا فيه. يكفي أن تصغي إلى بعض ألحانه على مختلف أنواعها، وطنية، ثورية، رومانسية، واجتماعية ساخرة، لتعرفه جيداً. وإن عرفْتَه عن كثب أو حادثته، فلن يخيب أملك أبداً.
لم أسمع، بعدَ ألحان الأخوين رحباني وفيلمون وهبي، نغمةً موسيقية ولا جملة لحنية كالتي يؤلّفها زياد بطرس. وما من لحن "بيفشلّي خلقي" كما يفعل لحنُه. هذا "الرجل الحديدي" في الموسيقى والابتكار والفن، هو الجندي المجهول وشريك شقيقته الفنانة جوليا بطرس في النجاح الاستثنائي، والأوفى لها. يحلّق زياد عالياً، ولا نهاية لمداه.
نادر في كلّ شيء، حتّى في إبداعه.
أطلق أهمّ نجوم لبنان والعالم العربي، بألحان تتسلّل قسراً إلى القلب وليس أمامها طريق آخر. وأعاد إحياء البعض من هؤلاء بعد فترات ركود فني وانطفاء عاشوهما، وهم اليوم فنانو صفّ أول. ألحان زياد لا تعرف الموت. موهبته وإبداعه لن يعبّدا الطريق إلى الإفلاس، بعكس ما يرى بعض الجهلة، أو أصحاب "الرؤية القصيرة"، موسيقياً وسماعياً.
زياد هو الرجل الأصعب والأبسط في الوقت نفسه. والبساطة هنا الحليفة الدائمة للجمال. هو أمل الموسيقى في لبنان وأكثر...
في عيد ميلاده الذي يصادف اليوم في 14 آذار، معايدة من القلب ومن العقل: "مش كلمة عالورق... الإبداع اللي عندَك... ولا صدفة مَرَق... مرّة على دربَك... إنتَ السِّحر كلّو... والسرّ كلّو يا زياد...".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك