إنّه الأوّل من نيسان، يوم الكذب الحلال.
يعتقد جمهور الأحزاب والزعماء في لبنان أنّ جميع السياسيّين يكذبون باستثناء من يحظون بتأييدهم. والحقيقة أنّ ما من سياسيٍّ بريءٍ من الكذب، من كبيرهم الى صغيرهم. مَن في الموالاة والسلطة ومَن في المعارضة، مع فارقٍ بالدرجات والموهبة والبراعة.
لن يفيق هذا البلد المخدّر بالأكاذيب. في زمن كورونا تسابقٌ بين بعض السياسيّين على الظهور. استثمارٌ في وجع الناس وخوفهم من فيروسٍ لا يوفّر الغني والفقير، المواطن العادي والوزير... والوزيرة.
روى لي صديقٌ زار اليابان قبل سنوات أنّه سأل رجلاً يابانيّاً في الشارع تحت زخّات المطر عن عنوانٍ يقصده، ولما استدلّ منه أكمل طريقه سيراً لدقائق، قبل أن يلمح رجلاً يركض من الخلف ويهتف له. كان الرجل الياباني الذي سأله عن العنوان وعاد مهرولاً حين شعر أنّ صديقي ضلّ الطريق. هذا في اليابان، أما في لبنان فقُتل شابٌ أوّل من أمس بسبب خلاف على موقف سيّارة في برج البراجنة. أزقّة الفقر والموت. موتٌ من الجوع، من المخدرات، من خلافٍ على موقف سيّارة.
لكنّ الموت الفعلي هو من كذب السياسيّين. هؤلاء وعدونا بالمعجزات قبل أيّار 2018 ومنذ ذلك الحين لم نرَ يوماً سعيداً. وكانت "ثورة" بدأت جميلة وانتهت ببعض طائفيّين يقطعون الطرقات هنا وهناك، من أجل زعيمهم.
منذ السبعينات ونحن ننحدر من دون توقّف. كنّا أقرب الى سويسرا وباريس فصرنا أشبه بكابول. كانت دبي حينها صحراء، وباتت اليوم أبراجاً يتواصل سكّانها مع الدولة عبر الانترنت ولا يذهبون الى أيّ مكان، أمّا أهلنا فيتوسّلون السياسيّين وينتظرون منهم اليوم حصصاً غذائيّة. عدس وبرغل وأدوات تعقيم. حبّذا لو يعقّم البعض عقولهم فينتفضون على سياسيّي الكذب.
ولا يقتصر الكذب على السياسيّين. في الإعلام كذب وتشويه للحقائق. معظم الفاسدين يحاربون الفساد. والصحف التي تُموَّل من السياسيّين والأحزاب تحاضر في العفّة. والابتزاز ناشط: ادفعوا لنا فنسكت عنكم.
والكذب عند بعض رجال الدين أيضاً. يصلّي بعضهم تمتمةً بالشفاه أمّا في القلوب فكذبٌ ومصالح ورغبةٌ وادّعاء و"تربيح جميلة". والأسوأ هم رجال الدين الذين يحبّون الظهور. "الله ينجّينا" من رجال الدين الذين يلهثون وراء الشاشات.
إنّه الأول من نيسان. يومٌ كباقي الأيّام، قد ننجو فيه من كذبة صديقٍ أراد اختبار أعصابنا، إلا أنّنا لن ننجو حتماً من أكاذيب السياسيّين، وهذه تلاحقنا أينما كان ونحن ننشرها، لا حول ولا قوّة.
أنجز كتابة المقال ليلاً، لأصغي الى صوت السيّدة "طَلّ وسألني إذا نيسان دقّ الباب... بعدك على بالي يا قمر الحلوين...". رائعةٌ فيروز، في الليل كما في الصباح. هي في الحَجر قبل كورونا بكثير. نكاد نقول في هذه الأيّام إنّها كانت على حقّ.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك