بين أيّار وآب ٢٠٢٠ يتخرّج من الجامعات اللبنانية ما يزيد عن ٣٠ ألف خريج جامعي يدخلون سوق العمل الميت جرّاء أزمة صحية عالمية ممزوجة بأزمة وطنية مالية عقيمة جعلت الإحباط يلازم الشباب اللبناني الذي يحارب من دون أملٍ بالإنتصار فيردد البعض منه مرارًا: "نعيش في بلدٍ حيث مغادرته أكبر إنجاز لنا".
تقول جنى بركات، التي تخرّجت للتو من كلية العلوم والفنون في الجامعة اللبنانية الأميركية بتخصّص الإعلام، إنّها في السابق رفضت الهجرة رفضًا قاطعًا. وتردف قائلةً: "الاوضاع تزداد سوءًا يوما بعد يوم. قبل الأزمة وما قبل الثورة كانت فرص العمل ضئيلة ولكن كان الأمل بلبنان موجود. أما بعد تعدّد الأزمات، فرأيت نفسي لا إراديّاً أسعى للعمل في الخارج. الإحباط إزداد، أقبل بأيّ راتب الآن فالمهم أن أجد عملا. الهجرة لم تعد الخيار الثاني بل العمل في لبنان أصبح كذلك". وتختم بركات حديثها بعبارة: "مجبر أخاك لا بطل".
بدوره يقول محمد علي عرابي الذي إختار الجامعة اللبنانيّة ليتخصّص بإدارة الفنادق، إنّ التخوف من المستقبل في ظل تعثّر قطاع السياحة يزداد كل يوم والتحدي لإيجاد فرصةَ عمل يزداد صعوبةً.
"في السابق كنت في العطل الصيفية أتدرّب في أحد فنادق العاصمة الفخمة. ولكنّ اليوم حتى التدرّب في الفنادق لا التوظيف بات أمرًا صعبًا وشبه مستحيل"، يقول عرابي الذي لا يندم أنّه إختار قطاع السياحة الذي يحبّ ولكنّه يدرك الضربات القاتلة التي يشهدها هذا القطاع الذي يحوي ٣٨٪ من إجمالي الوظائف في البلد وفق تقرير حديث لمجلس السياحة والسفر العالمي. وضربة كورونا كانت كفيلة بالقضاء على هذا القطاع جاعلةً عائداته تنخفض إلى ما دون الواحد بالمئة خلال المراحل الأولى من خطة الحكومة لمواجهة كورونا حيث فُرض الإقفال التام على مختلف القطاعات والمرافق.
وحده الممرض وائل المشطوب الذي يتخرّج هذه السنة أيضًا من الجامعة اللبنانية لديه نظرة إيجابية لملاءمة إختصاصه مع ما يريد سوق العمل. يعتبر المشطوب أنّ اختصاصه كان مفقودًا وهو استدرك هذا الأمر قبل إختياره له عند التخرّج من الثانوية العامة. فسوق العمل كان ولايزال بحاجة إلى ممرضين وفق المشطوب الذي يعترف بتردّي الوضعين الاقتصادي والمعيشي ولكنّه يرى أنّ الوضعين تأثرا بشكل كبير بفيروس كورونا الذي يدور بفلك اختصاصه. فهو وغيره من الممرضين والأطباء قادرون على معالجة هذه الأزمة الصحيّة عبر الانضمام الى القطاع الطبي في البلاد.
يخاف المشطوب من الإنقطاع عن العمل لكنّه يرى الأمر طبيعيًا ويحثّ الشباب اللبناني على إعتبار أنفسهم جزءًا من الحلول التي تنقذ لبنان من أتون المشاكل الاقتصاديّة والماليّة والصحيّة. ويختم حديثه بعبارة: "لا تكرهوا شيئًا لعلّه خيرًا لكم".
قبل تفاقم الأزمة المالية كانت نسبة البطالة لدى الشباب في لبنان تصل الى ال٣٥٪ في بلدٍ يشهد تخمةً في اختصاصاتٍ معينة ونقصانٍ في اختصاصات أخرى كالتمريض. كورونا غيّر كل أرقام
البطالة التي كانت أصلاً مرتفعة. وأُقفلت مئات المؤسسات حارمةً خريجي ٢٠٢٠ من أبسط حقوقهم كحفلة تخرّجٍ تجمعهم مع من يحبون.
يشتكي خريجو ٢٠٢٠ وغيرهم من الذين يبحثون عن وظائف من الردود الإلكترونية التي تصلهم من شركات عدّة بعد التقديم على مناصب شاغرة. فتقول لهم تلك الشركات وبصريح العبارة: "عذرًا لا ندري إن كنّا سنحتاج إلى هذا المنصب بعد اليوم - شكرًا على اهتمامكم".
ويوضح تقريرٍ صادر عن CNN BUSINESS، أنّ الدراسات والبيانات في هذا الصعيد تظهر أنّ الخريجين الذين يدخلون سوق العمل خلال فترة الركود الإقتصادي تبقى رواتبهم أقلّ من أولئك الذين يدخلون سوق العمل خلال اقتصادٍ صحّي لمدّة تتراوح بين ١٠ إلى ١٥ سنة على الأقل.
القلق يؤرق الشباب اللبناني، حيث الخوف يتفاقم على مستقبلٍ مهنيٍّ لم يبدأ بعد ولربما لن يبدأ. أحلامٌ كثيرة وطموحات عدّة تُدفن في بلادٍ يا ليت أزماتها تقف عند حدود كورونا. واقعٌ مرير بات فيه الوباء فسحة أمل تحت قاعدة: سيأتي الفرج بعد كورونا، وإن لم يأتِ فيكون المطار قد فُتِح على الأقل...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك