من عمق الأزمات القاهرة للبنان وآلام البنانيين وصرخاتهم العالية التي توجب ممارسةً سياسية مختلفة، يُعلن التيّار الوطنيّ الحرّ فعل إيمان بلبنان وثقةً بإنقاذه وبديمومته، مستنداً الى تاريخ طويل أثبت فيه شعبه قدرته على تجاوز المِحَن بفعل طاقاته البشرية وإرادة الحياة لدى إنسانه.
نحن تيار لا يعرف اليأس ولا الإستسلام. من روح الشعب إستلهمنا نضالنا وبقوة شبابه نستمر مدفوعين بصدق القضية ووضوح الرؤية ونقاء الهوية، وبالثبات على المبادئ التي زرعها فينا الرئيس المؤسّس العماد ميشال عون.
هويتنا قضيتنا، إنها لبنان، أرضاً وشعباً. لأجل تحرير الأرض وإسترداد السيادة قاتلنا، ولأجل كرامة الإنسان واجهنا، وبهدف بناء الدولة نواصل النضال مهما غلت التضحيات.
قضيتنا هي بوصلتنا، نستهدي بها فلا نضلّ الطريق ولا نفقد الرؤية.
قضيتنا هي قيام دولة مدنيّة قابلة للحياة، محصّنة بنظام ديمقراطي وبقضاء مستقل، وبلامركزية موسعة تحضن التنوّع وتحفّز الانماء المتوازن قطاعاتٍ ومناطق، لتكون قادرة على مواجهة الأزمات وتجاوزها لا بل استباقها.
دولة حرّة سيّدة مستقلة ومستقرة ركيزتها إنسان متحرر، ومجتمع متفاعل، وإقتصاد حرّ ومنتج، وأحزاب ناظمة للديمقراطية ومنتظمة بها.
بناءً على ما سبق نريد أن يكون المؤتمر العام للتيّار الوطنيّ الحرّ هذه السنة منطلقاً لديناميّة جديدة داخل التيار ترتكز على احترام نظامه وتحتضن كافة اطيافه ومذاهبه، تنعكس إيجاباً على قضايا الوطن، وتتجسّد برؤية للتيّار وللبنان تمتد للعام 2030 في مداها القريب و2050 في المدى الأبعد.
هذه الرؤية تستند الى ما وضعناه سابقاً من برامج اصلاحية سياسية واقتصادية ومالية ومن تصوّر متكامل لتطوير النظام اضافةً الى ورقة الأولويات الرئاسية التي تعكس مفهومنا لانتخاب رئيس للجمهورية كأولوية مطلقة، اذ لا جمهورية من دون رأس ولا انقاذ للبنان ولا اصلاح له من دون رئيس يقود هذه المسيرة.
هذه السنة تنطلق رؤيتنا في ثلاثة مسارات: التيار - الجماعة - الكيان.
1 - التيّار - مؤسسة فاعلة.
2 - الجماعة - مجتمع قادر.
3 - الكيان - وطن فريد.
I - التيّار مؤسسة فاعلة
ينطلق التيّار من تجربة السنوات الماضية، مدفوعاً بطاقة التجدّد التي يختزنها شبابه ليبني مؤسسة فاعلة وفعّالة، محورها الإنسان والأرض والتفاعل بينهما.
مؤسسة قوّتها في التوازن والتناغم بين ثبات المبادئ والقدرة على الحركة والتأقلم، وفي التزام الهرمية النظامية من ضمن المرونة والتنوّع.
مؤسسة محرّكها الأوّل هموم الناس وأوجاعهم وحقوقهم ومعيشتهم وكرامتهم. هذه الهموم نقاربها بالعمل والالتزام لإحداث التغيير المطلوب، وليس بالكلام.
ننجح أحياناً ونعجز أحياناً لكننا نعمل دوماً ولا نتعب من المحاولة مجدّداً.
نبادر ونتحرك ولا ننتظر تعليمات من الخارج بل نسعى لتوظيف الخارج لمصلحة لبنان.
نحاور لكننا لا نقع أسرى المحَاوِر ونعمل لإخراج لبنان منها، ولبننةِ قراراته.
نجمع ولا نفرّق، نوحّد ولا نقسّم لأننا مؤمنون ومقتنعون بوحدة لبنان ونعمل لضمانها ونرفض أي تقسيم للوطن.
نحن تيار الأصالة والتجدّد، نختزن في وجداننا ووعينا تاريخ لبنان. نسيج هويتنا من مكونات هويته نحتضن كل طوائفه، ونحمل قيمه في ضمائرنا ونمارسها في حياتنا. أجيال التيار يوصِل بينها حبلٌ من الإنتماء فتتوارث الأجيال من بعضها المبادئ التأسيسية، وكل جيل يتطوّر بفعل إختبارات حياته. تيارنا يحترم التقاليد لكنه ثائر على التقليد، ماضيه مفخرة لحاضره وحاضره ذخيرة لمستقبله.
انه تيار وُلِد من رحم الجيش وترعرع شبابه في ساحات النضال، ويجب ان يبقى دائماً فيها الى جانب مطالب الناس وحقوقهم.
إنه تيار يريد للبنان ما يريده لنفسه ويعاهد أجياله ولا سيما جيل الشباب أن يعمل ليكون:
- مؤسسة تحتضن طموح الشباب وتساعدهم على تحقيق نظرتهم لمستقبلهم.
- مؤسسة تحمل مشروعاً واعداً للمجتمع بأبعاده الإنسانية والإقتصادية والإجتماعية ومشروعاً للكيان بأبعاده الحضارية والثقافية والوجودية.
- مؤسسة تنبذ العنف وتعتنق ثقافة السلام وقبول الآخر وإحترام حقه بالإختلاف مع التقيّد بالقيم والأخلاق.
- مؤسسة تحرّر طاقات المنتسبين إليها فيحققون ذاتهم بلامركزية تنفيذية وتمويلية في مناطقهم، وينتظمون تحت سقف المؤسسة بمركزية القرار السياسي والاعلامي، فتكون صورة تيّارهم على ما يطمحون ان تكون عليه صورة دولتهم.
- مؤسسة تحفّز التياريين وتساعدهم على الاستثمار في مشاريع خلّاقة وانتاجية، تعود على تيّارهم بالتمويل الذاتي، وعلى مجتمعهم بالفائدة إقتصاداً وفرص عمل.
II - الجماعة: مجتمع قادر
يحمل التيّار مشروعاً مجتمعياً للبنان ركيزته المواطن الذي يستحق الحياة الكريمة والعيش في نموٍّ مستدام وفي بيئة خالية من الفساد، فتتأمّن لكل إمرأة ورجل فرصة العمل والضمان الصحّي والإجتماعي وللطفل حق الرعاية، وتكون لكل طالبة وطالب الأولوية في تحصيل العلم قبل اي اجنبي، وللمسنين حق ضمان الشيخوخة، ولكل الناس حقهم في الأمان وفي حماية جنى عمرهم والحفاظ على ودائعهم.
لا يستقيم بناء المجتمع بوجود الفساد، لذا يدعو التيّار الى إقتلاعه من نفوس اللبنانيين وثقافتهم لتحقيق إقتلاعه من مؤسسات الدولة والوصول الى الاصلاح الناجز. لا ينمو المجتمع مع الفساد ولا تقوم دولة من دون محاسبة ولا ينهض لبنان إذا إستمرت سياسة الإفلات من العقاب لمن سرقوا الناس وأفلسوا الدولة وهدّموا الوطن.
وفي موازاة الاصلاح ومكافحة الفساد، يحتاج لبنان الى نقلة نوعية في إستنهاض إقتصاده الذي دمّرته المنظومة العميقة سياسياً ومالياً.
لقد تسبب الفساد بالإنهيار فسقط إقتصاد الريع وحان الوقت لبناء إقتصاد حرّ ومنتج، زراعة وصناعة وسياحة واقتصاد معرفة، فيؤمن الإزدهار والعدالة للمجتمع والرفاهية للمواطن وهو نقيض الإقتصاد الإحتكاري والريعي الذي كرّسته منظومة التسلّط والفساد.
حان الوقت لبناء إقتصاد متوازن مناطقياً، يستند الى المبادرة الفردية ويحفزّ القطاع الخاص. إقتصاد يستفيد من ثروات لبنان الطبيعية، ماءً وغازاً ونفطاً وشمساً وهواءً ويرتكز على الطاقات البشرية المقيمة والمنتشرة ويستثمر في التنوع اللبناني مناخاً وثقافةً وسياحةً وآثاراً وديناً، ويستنهض قوة الإبداع اللبناني علماً وفناً وأدباً وإقتصاد معرفة.
هذا هو الإقتصاد الذي نعمل ليكون فيه صندوقاً سيادياً للنفط والغاز، وصندوقاً ائتمانياً لتعويض خسائر المودعين وتحقيق خدمات المواطنين، والذي ننشد إجماع اللبنانيين عليه ليحقق الإزدهار للجميع ويصبح هو مجال تنافسهم وبديلاً عن صراعاتهم وينهي عصر المناكفات والتناتش والتقاسم ويحقق الإستقرار ويطمئن الناس الى غدهم.
III - الكيان: وطن فريد
نحن تيار يحمل قضية وهو إختار لنفسه مهمة الحفاظ على لبنان الكيان بوطنه الفريد.
فريد بخصوصية مكوّناته ورسالته وتوازناته،
فريد بتناصف شراكته ومرونة شعبه وصلابته.
فريد بحريته وهي مبرر وجوده،
تجاوره الأزمات فيشق النفس ليحافظ في خضمها على سيادته وإستقلاله.
لهذا وجب علينا جميعاً كلبنانيين أن نُنشئ نظاماً يرتكز على السيادة الشاملة. السيادة بمعناها الأوسع، وهي ليست فقط السيادة على الحدود والارض والحقوق بل أيضاً سيادة القرار الوطني وسيادة القانون والعدالة والقضاء الفعّال حيث ان اللبنانيين مدعوون جميعهم لتحقيق سيادتهم في قراراتهم وخياراتهم.
وإذا أراد اللبنانيون أن يكونوا متساوين في لبنانيتهم، سياديين حقاً في قرارهم، أحراراً حقاً في خيارهم، ومستقلين حقاً في إرادتهم، عليهم أن يتحاوروا وينتجوا حلولاً لقضاياهم من دون عرّاب أو وصاية من الخارج.
نحن نرى في أنفسنا قدوةً لذلك: نحن تيار سيادي في طبعه، إستقلالي في طبيعته، وحرّ في قراره. فالسيادة والحرية والإستقلال مزروعة في جينياتنا الوطنية.
إنتماؤنا للبنان وولاؤنا له دون سواه. نؤمن بأن قوته تكمن في تنوعه الذي هو مصدر غناه الثقافي والإجتماعي.
نؤمن بالإستقلال ونمارسه ولكننا نرفض الإنعزال ونرذله.
لبناننا المتنوع رسالة إنفتاح وتواصل وتفاعل مع المشرق والخليج والمتوسط.
ومن منطلق السيادة نريد التعاون مع محيطنا الأقرب والأبعد حيث ينتشر أبناء وطننا، الذين لهم الحق في استعادة جنسية وطنهم الأم، والحق في ان يقترعوا ويترشّحوا حيث هم في دائرة خاصة بهم والذين تشكّل تحويلاتهم المالية سنداً اساسياً لاقتصادنا ومعيشتنا؛ بالمقابل، يتوجّب ابقاء شبابنا واجيالنا القادمة بعيداً عن اليأس والهجرة، وعلينا تثقيفهم واقدارهم ليكونوا نواة صلبة للوطن.
منطلقنا هو الشراكة الميثاقية المتناصفة بين اللبنانيين وأي خلل يصيبها يفقد لبنان توازنه.
الشراكة المتوازنة هي ضمانة متبادلة بين اللبنانيين وقوة حماية لهم، وفقدانها يجعل منهم مكونات خائفة على نفسها من بعضها البعض.
الشراكة المتوازنة والمتناصفة تبني دولة الحق والمؤسسات القوية بمركزيتها السياسية والدفاعية والخارجية والنقدية الحصريّة وبلامركزيتها الادارية والمالية الموسّعة.
هذا هو جوهر وثيقة الوفاق الوطني التي طُبّق منها قسمٌ مما هو جيّد وبقي قسم من دون تطبيق والتي تتضمّن قسماً آخراً اثبتت التجربة انه بحاجة الى التعديل والتطوير لكي تتم المحافظة على صيغة لبنان وميثاقه الفريدين.
في الخلاصة
نحن نؤمن بلبنان القوي وبضرورة الحفاظ على كل مقومات قوته، وإحداها التفاهمات التي يبنيها اللبنانيون في ما بينهم، على ألّا تكون على حساب مصلحته، وألا تكون مؤقّتة بموسميَتها ومصلحيّتها.
نحن في التيار نسعى الى بناء تفاهمات وطنية بكل الإتجاهات والأبعاد، تكون فيها مصلحة لبنان اولاً والتيار ثانياً.
ومن أقوى عناصر قوة لبنان هويته الثقافية وأي مسّ بتنوعاتها وميزاتها وخصائصها، أكان نزوحاً أو لجؤاً أو تغييراً ديمغرافياً مفتعلاً هو مسّ بالوطن بكل مكوناته؛ وسقوط أي مكون هو سقوط لكل المكونات وللوطن، ناهيك عن مخاطر اي اهتزاز امني.
يبقى ان التيّار الوطنيّ الحرّ، أكان في موقع الحكم أو المعارضة، مبتعداً أو مشاركاً، سيحمل القضية دائماً في فكره وقلبه وعمله وسيبقى يعبر عن نبض الناس وآمالهم وأوجاعهم، وسينّقي نفسه من أي شوائب نابعة من آدائه أو ملصوقة به زوراً، ليكون دائماً دائرة إشعاع وأمل مهما عمّت العتمة وساد اليأس.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك