من يلتقي مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الوزير السابق جهاد أزعور مصادفةً أو يزوره لأمرِ ما أو حتى يهاتفه، يدرك ان رجل العلم، سليل العائلة السياسية التي لا تشبه إلا لبنان، البارع في تجربته وعلاقاته والأمين على قناعاته ودرّتها "العيش الواحد"، هو غير جهاد أزعور الذي ترشقه بروباغندا ماكينات سياسية وإعلامية بإتهامات وأوصاف لا محلّ لها من الاعراب، ويَجري تحميله أخطاء وخطايا لا ناقة له فيها ولا جمل.
ومَن تسنّى لهم التواصل مع أزعور في الساعات الأخيرة، خرجوا باستنتاجٍ بأن ثمة اقتناعاً لديه بأن أي تعطيل لجلسة الانتخاب الأربعاء المقبل ستعني عودة للمسار الخارجي الذي يرتاح الفريق الآخَر أكثر له من المسار الداخلي في ظل توازناته الحالية، وأن استراتيجية فرنجية ترتكز حتى الساعة على تحسين الرقم الذي سيناله وبذلك يَظهر أنه ما زالت لديه القدرة على الجمْع حوله ليعود وينطلق من جديد في السباق الرئاسي.
وأثار هؤلاء مع أزعور كيف تحوّلت جلسة الأربعاء ما يشبه المكاسرة الطاحنة التي تُستخدم فيها "الحرب النفسية" ولغة التهديد التي تساءل معها البعض هل يمكن أن يجعل هذا المناخ الوزير السابق للمال "يعدّ للعشرة" رئاسياً. ولكنهم خرجوا بانطباعٍ بأن ثمة قناعة لدى أزعور بأنه يجب ألا تكون هناك أي مقاربة تقوم على التحدي، وأن الانتخابات الرئاسية عبارة عن منافسة ديموقرطية وشريفة يفرضها الدستور وآليات تداوُل السلطة على المستوى الرئاسي كل 6 سنوات، وتالياً لا ضرورة لأن تتحول أكثر من تنافُس وفق قواعد اللعبة الديموقراطية والبرلمانية مع حماوة طبيعية وفي وقتها تتصل بظروف المعركة ومقتضياتها لا أكثر.
واستخلص مَن تواصلوا مع أزعور أن مشروعه لا يرتكز على الاصطفاف أو المواجهة، بل على الانفتاح والواقعية لمواجهة التحديات الجمّة، وأنه رجل أثبت من خلال كل مسيرته وأدائه في الأشهر الماضية أنه منفتح على الجميع ولا يضع لنفسه خطوطاً حمر لا في التواصل مع الآخَرين ولا في الحوار حول أي عنوان أو ملف.
ويشعر مَن يستمع إلى أزعور بالأهمية التي يعلّقها على إعادة العلاقات مع العالم العربي ولا سيما دول الخليج بعد ابتعادٍ عنها كان مُكْلِفاً على لبنان، وأنه يُراهِن على قدرته على معاودة بناء الثقة مع العمق العربي لـ "بلاد الأرز" بناءً على علاقاته المميّزة مع دول المنطقة والتي يمكن أن تشكل طريقاً مختصرة لمساعدة لبنان والتي تتطلب أيضاً مساراً داخلياً مزدوجاً أولاً لإعادة ثقة المحيط به، وبالتوازي فهْم العالم والتحوّلات التي تشهدها المنطقة التي يتعيّن أن يكون الوطنُ الصغير على نبْضها، فيعالج القضايا التي تعنيه وفق المتغيّرات الكبرى وأبعادها المتعددة الاتجاه، ومن هذه القضايا ملف النزوح السوري.
ويَرسم مَن يُجالسون أزعور مثلثاً من المواصفات التي يتعيّن أن يتحلى بها الرئيس العتيد تنطلق من أن يكون قادراً على التواصل، ولديه معرفة بملفات المنطقة، وصاحب رصيد يخوّله استرداد الثقة بلبنان سريعاً، وهذه يجب أن تكون نقطة الانطلاق. ويسمعون من الوزير السابق أنه رجل مستقلّ ومنفتح وعروبي بتاريخه ونشأته، ومنهجيّ وعمليّ وغير صِدامي، مع درجة عالية من الاقتناع بأن الشراكة هي المدخل الأساسي لحل المشكلات، وأن اتفاق الطائف هو أفضل مساحة مشتركة والقاعدة الحقيقية للعيش معاً.
ولا يتوانى هؤلاء عن طرْح كيف استدرج الفريق الآخَر الاستحقاق الرئاسي وترشيح أزعور بوصْفه عنواناً للوصاية وصندوق النقد ما يعني ضمناً أنه لم ينجح في تبديد هواجس مَن لا يؤيّدونه. ويستخلصون ممّا سمعوه أن الفريق الآخَر يعرف ما هي قناعات أزعور الذي كان وما زال على تواصل وحوار معه، وأن هذا الفريق يدرك أن الانفتاحَ ليس مجرّد صفة بل ممارسة اعتمدَها وتقوم على مدّ اليد للجميع، وأن الوزير السابق للمال ليس مطروحاً أو يتطلّع للرئاسة لأغراض خاصة بل ليكون رئيس مَهمة لا تنجح إلا بتعاونٍ مع الجميع يتعيّن أن يكون مبنياً على فهْم الآخر، والثقة، وتمسُّكٍ بقواعد الحوار والتلاقي وعدم وجود أي التباساتٍ أو نقاط غير واضحة.
وبحسب هؤلاء، لا يتوقف أزعور كثيراً عند الحماوة الرئاسية التي اشتدّت في الساعات الماضية، فشدّ العصَب طبيعي ومن ضمن اللعبة ولا يجعله يبدّل في طريقة تعاطيه التي تقوم على الانفتاح واحترام الآخر والتعاون مع الجميع، وأنه مهما كان الهجوم صعباً فهو لن يغيّر شيئاً في اقتناعاته التي يبْنيها وفق مقاربته وليس بناءً على ردّ فعل الطرف الآخَر وذلك على قاعدة أنه رجل فعل وليس ردّ فعل.
وحين تثار أمام أزعور الاحتمالات في ما خص مآل الجلسة المقبلة، من تطيير نصاب دورتها الثانية ونيْله في الأولى 65 صوتاً ما يجعله رئيساً مع وقف التنفيذ ولكن من دون أي صوت شيعي، يسمع زواره أن النتائج تُعرف في وقتها بعيداً من أي تكهنات وتحليلات، وأن من المبكر الكلام قبل فتْح صندوقة الاقتراع وقراءة نتائجها، مع تذكير بأن الرئيس نبيه بري في 2016 لم يَنتخب الرئيس ميشال عون ولكنه عاد وهنّأه واعتبره رئيساً.
ويستوقف مَن يستمعون إلى أزعور تشديداً على أنه ليس مرشحاً ضد الثنائي (حزب الله والرئيس بري) أو ضد أحد بل لهدف واحد هو الإنقاذ، مع تأكيد أنه لم يعلن يوماً أنه مرشح لضرب الميثاقية بل للتعاون، وأنه في منافسةٍ يتمنى أن تكون شريفة وفيها ربح وخسارة في النهاية، وأن لا مشكلة لديه في عدم الفوز كما أن لا حَرَج لديه في الربح، وأن أي فوز يجب ألا يُقرأ على أنه كسْر لمكّون سياسي أساسي في لبنان.
وحين يُسأل عن النواب المتردّدين أو الرماديين، يَستنتج المستفسرون أن لبنان يمرّ في ظرفٍ استثنائي وبأزمة لم يسبق أن مرّ بها في تاريخه على الصعيد المالي والاقتصادي وتَراجُع الثقة به والخوف على المستقبل، وأن البلاد تخوض حرب استعادة الثقة والسيادة الاقتصادية والقدرة على النهوض، مع تحسُّرٍ على ما آليه إليه واقع لبنان الذي كان دولة رائدة في المنطقة وتمثّل حالة مميّزة في محيطها، والذي يتعيّن أن يستعيد مكانته ويعاود انفتاحه على الدول التي لطالما شكّلت حزام أمان له وأن يسترّد ثقة الخارج بأنه أهْل للمساعدة.
ويستنتج سامعو أزعور أن على النواب أن يحددوا خياراتهم بناء على مَن لديه القدرة والأهلية لقيادة مثل هذه المعركة، فالمسألة ليس قضية علاقات وصداقات بل ينبغي أن يحكمها معيارٌ يرتكز على المشروع والمسيرة والتجربة.
ولا يتفاجأ مَن ينصت إلى أزعور باقتناعه بأن الرئيس تفرضه المرحلة التي تتطلب في لبنان حالياً الانفتاح واستعادة الثقة ومعرفةً في كيفية إصلاح اقتصادات منهَكة، والتعاطي بلغة العقل وليس القوة أو الجزمة، ومن هنا يُستشف من مقاربته رسالة للنواب المترددين بأنكم انتُخبتم لتؤمّنوا فرصة للبنان ليَخرج من الأزمة، وأن عليكم أن تنظروا أين مصلحة البلد الذي يقف على مفترق أساسي وأن الخيار تالياً يجب أن يكون على قدر التحدي أي أن يضمن وضْع لبنان على الطريق الصحيح ما يستوجب اختيار الشخص المناسب بناءً على معرفته وتجربته وقدرته على تسخير علاقاته لمصلحة لبنان.
وعندما يطرح محدّثو أزعور على مسامعه مسألة تعيين فرنسا وزير الخارجية السابق جان ايف - لودريان موفداً شخصياً للرئيس ايمانويل ماكرون لمتابعة الملف الرئاسي في موازاة الاهتمام العربي والدولي، يَسمعون أن هناك اهتماماً خارجياً بمساعدة لبنان على الخروج من أزمته ولكن الخارج لا يمكنه أن يقوم بهذا الدور إذا لم يساعد اللبنانيون أنفسهم، وأن وجودَ اهتمام من دولة مثل فرنسا وتعيينها شخصية من هذا الوزن لمواكبة الأزمة في لبنان أمر مهمّ للبلد، مع ضرورة أن يَفهم اللبنانيون أن الاهتمام الدولي والخليجي عقلاني وليس عاطفياً وأبعد من السياسة والإخوة، وبات يرتكز على الإصلاح، وهو ما أثبته التعاطي مع دول أخرى في إشارةٍ واضحة إلى تبدُّل معايير الدعم ومرتكزاته.
ولا مكان لدى أزعور بحسب سامعيه لمَن يروّجون أن داعمي ترشيحه يستخدونه فقط لإقصاء فرنجية وليس كمرشّح للوصول، ويستخلصون أنه لم يأتِ الى السباق بالتزاماتٍ مع أحد بل وفق مقاربة تَلاقت حولها مجموعةٌ من القوى السياسية التي لا تلتقي على عناوين أخرى، وهذا جيد، كما تلاقى حولها نواب مستقلون وهذا أفضل، أي أن هذا الخيار لاقى مروحة واسعة من الدعم، وأنه مستعدّ لمَهمة إنقاذ وليس في وارد خدمة أجندة أي طرف، وإذا توافرتْ الفرصة ليضع تجربته وطاقاته في مصلحة لبنان فليكن وسيعمل تالياً بكل ما يملك من عزم وعلاقات على إنجاح البلد وإنقاذه، وبحال وقع الاختيار على شخص آخَر فلا مشكلة.
ويستشعر مَن يتواصلون مع أزعور إصراراً على تأكيد أنه لن يكون رئيساً لفريق بل لكل لبنان، وأنه لم يلتزم ببرامج أي فريق أو أجندته، بل بما يعتبره خريطة طريق يملكها لإخراج البلد من محنته، وأنه يركّز على أن تتم الانتخابات وفق الدستور، وكيفية طمأنة الآخَرين الذين يعتبرون أن هذه معركة وليس تنافُساً ديموقراطياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك