شدّد شيخ العقل لطائفة الموحّدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى على "أهمية الحوار والتفاهم كمدخلٍ لإيجاد الحلول، في وقتٍ تكثر فيه الطروحات والتجاذبات"، معتبراً أن "الأزمة المعقّدة لانتخاب رئيس للجمهورية وفراغ المؤسسات من مسؤولين أصيلين واحدة تلوَ الأخرى أدَّى ويؤدِّي إلى فقدان الثقة بالدولة وإمكانية الإصلاح والنهوض"، مخاطباً من منطقة وادي التيم أبناء جبل العرب ومحافظة السويداء، من أجل وحدة الإرادة والموقف، داعياً الى التمسّك بهويتِهم السورية العربية ورفض أي طرحٍ انفصاليٍ وهم المدركون عاقبةَ أيِ تهوّر أو خنوع".
كلام أبي المنى، جاء خلال جولة روحية واجتماعية قام بها أمس الى راشيا وعدد من قرى قضاء حاصبيا، وعكس أثرها الكبير حفاوة الاستقبالات واللافتات المرحبة التي حملت عبارات التقدير لمواقفه الوطنية والجامعة. ورافقه في الجولة وفد، ضم: مشايخ وأعضاء من المجلس المذهبي ومسؤولون في المجلس ومشيخة العقل ومستشارون. واستقبلته في محطات الزيارة والوفد المرافق ورافقته شخصيات وفاعليات روحية واجتماعية وبلدية واختيارية وأهلية، الى جانب قضاة المذهب الشيخ سليم العيسمي ونزيه ابو ابراهيم ومنير رزق وأعضاء من المجلس المذهبي في المنطقة.
واستهل شيخ العقل الجولة من راشيا بزيارة المغترب السيد هايل سعيد والعائلة في منزله، بحضور جمع من المشايخ والاهالي. وبعد كلمة من سعيد حيّا خلالها "مواقف شيخ العقل وتطلعاته التطويرية للمؤسسات واستعداده الوقوف الى جانبه في كل ما يؤول الى البناء والتقدّم من خلال قيادته الروحية الحكيمة"، متمنياً "العمل على استثمار الاوقاف ما أمكن"، منوّهاً "بالاندفاع والمروءة والمعدن الطيّب الذي طبع سلوك عدد من الخيّرين في بلاد الاغتراب ازاء الظروف الصعبة الراهنة ومن بينهم السيد هايل سعيد وبصمته المقدّرة لدار الطائفة"، معتبراً أن "الازمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية وحالة التفكك والانهيار للمؤسسات وشلّ قدرتها عن القيام بالدور المطلوب منها، تستوجب منّا جميعا تضافر الجهود والتكافل ضمن قدراتنا لسد بعض الرمق، وثمة خطط وافكار لدينا من اجل استثمار الاوقاف في مشاريع صناعية وزراعية واسكانية مرتبطة بتوّفر الامكانيات".
ثم زار شيخ العقل والوفد المرافق مقام النبي شعيب (ع) في بلدة الكفير وأقيم له استقبال كبير من المشايخ والفاعليات من أبناء البلدة الدروز والمسيحيين، كما شارك في الاستقبال وكيل داخلية حاصبيا ومرجعيون في الحزب التقدمي الاشتراكي سامر الكاخي والمجلسان البلدي والاختياري ولجنة المقام والاهالي. وجرى رفع الاعلام واللافتات والقاء كلمات، تعريف من حكمت نوفل وكل من، رئيس البلدية وليد بو نصّار والمختار الشيخ حمزة ابو العز وقصيدة لاسماعيل صقر، مشيدة بمسيرة الشيخ أبي المنى ومواقفه الوطنية والروحية الجامعة الى جانب نهجه الوحدوي وسعيه جمع الشمل. بدوره ألقى كلمة شكر على حفاوة الاستقبال والكلمات، مشددا على "أهمية اقانيم المحبة المسيحية والرحمة الاسلامية والاخوّة التوحيدية التي تجمعنا في رسالة واحدة، لا سيما وأننا في حضرة صاحب المقام وبركته النبي شعيب (ع)، "حاملين لكل ابناء وادي التيم الحبيب أواصر المحبة والتقدير، وفي فكرنا وروحنا رسالة النبي شعيب (ع)، رسالة الإيمان والتوحيد، رسالة الخير والعدالة، فشعيب (ع) كان مرسَلاً لشعبه وللبشرية داعياً الى عبادة الله، اذ إن الإيمان بالله وعبادتَه هما منطلق الخير كلِّه، وحاثّاً على المعاملة الحسنة بين الناس وعدم الإفساد في الأرض، أي أنه بدأ بالدعوة إلى تقويم النفس اولاً ثم تقويم المجتمع.
قال الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ وإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ والْمِيزانَ ولا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ ولا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ….".
ثم نبّه إلى عاقبة الإفساد والمفسدين بقوله: "… وانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِين﴾َ..."
فهل نحتار؟ وماذا نختار؟
أنختار الخير أم الشر؟ أنختار الغش أم الأمانة؟ أنختار العدل أم الظلم؟ أنختار الفضيلة أم الرذيلة؟ والفساد أم الصلاح؟
بالطبع إننا كمؤمنين موحدين نختار الدعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، ورسالة النبي شعيب نحملها دعوة للخير بوجه مفسدين كثر على الارض يشرّعون للرذائل والخروج عن القيم وهذا ما لا نرضاه بافساد المجتمع وهدم القيم. تلك رسالتنا الى جانب المحبة والعيش الواحد في كل مكان فيه التنوع حيث الحاجة الى الحكمة في التعاطي والحفاظ على العلاقات المجتمعية بالمحبة".
وأضاف: "نسمع عن الكفير بعض الروايات من القرن التاسع عشر كيف حفظ اهالي الكفير والخلوات بعضهم بعضاً وتآخوا بالمحبة، وتلك مسؤوليات روحي واجتماعية نحملها من موقعنا الروحي كما يحملها اصحاب الغبطة والسماحة، وذلك في مواجهة التحديات على كل المستويات الاجتماعية والوطنية، علّنا بمحبتنا نصل الى بر الامان المنشود ببركة النبي شعيب (ع). ثم تسلم من فاعليات البلدة درعا تقديرية من خشب شجرة زيتون من البلدة".
وانتقل شيخ العقل الى بلدة الخلوات قاصداً منزل السيد وهبي أبو فاعور ونجله عضو اللقاء الديمقراطي النائب وائل ابو فاعور والعائلة، وبعد كلمتي شكر من وهبي ابو فاعور، منوّها بمسيرة شيخ العقل "لخدمة الوطن والمواطن وما من شأنه تعزيز القيم التربوية والاجتماعية"، مشيراً الى مرتكزات اساسية بهذا الخصوص"، وللنائب أبو فاعور مرحبا بالزيارة ومنوّها بمسيرة شيخ العقل للطائفة، آملا من خلال "التكامل الموجود مع وليد بك وتيمور بك أن يبقى الوجود مصانا، وكما حصل في لبنان سابقا واليوم وفي فلسطين وسوريا اليوم ايضا انما هي معركة وجود، وكل الافكار التطويرية التي تتفضلون بها مهمة جدا للتنفيذ".
وأضاف: "المرحلة الراهنة هي للحفاظ على المؤسسات ودعم المريض خصوصا بجهودكم مع وليد بك وارادة الخير التي لا تزال موجودة في مجتمعنا والحمد الله نستطيع اجتياز المرحلة الصعبة".
بدوره، أكد شيخ العقل على واجب زيارة "البيت الكريم وقد ضحّى وناضل ولا يزال في مراحل طويلة من خلال الدور الذي لعبه السيد وهبي ابو فاعور واليوم الاستاذ وائل في مسيرتيه الوزارية والنيابية والى جانب الزعيم وليد جنبلاط والاستاذ تيمور جنبلاط من اجل خدمة المجتمع التوحيدي خصوصا والوطني عموما، وهو موضع تقدير واحترام لدى الجميع".
وتابع: "نعمل قدر المستطاع ولدينا العديد من الافكار التي نفذناها على صعيد القيم التربوية والروحية كمثل افتتاح مراكز للثقافة التوحيدية في عدد من المناطق واقامة المؤتمرات والندوات، والآن نتطلع الى الصمود الاقتصادي والاجتماعي حيث انشأنا برامج بهذا الخصوص ومنها "سند". وثمة أفكار لتعزيز القوة الاقتصادية والثبات في الارض من خلال الاستفادة من الاوقاف واستثمارها للصالح العام، آملين أن يوفقنا الله لتحقيق ما نفكر به".
وزار شيخ العقل والوفد المرافق بعد ذلك مجلس بلدة ميمس وكان في الاستقبال مشايخ وفاعليات ووجهاء من البلدة، وبعد كلمة ترحيب وشكر من الشيخ نبيل رعد وتقديره الزيارة، شكر الشيخ أبي المنى على "الاستقبال للمشايخ والاهل في هذا اللقاء الجامع وفي مجلس التوحيد وجمع الشمل"، مركزا على "قيم التوحيد واولها الصدق مع النفس والمجتمع، اذ هو كالرأس من الجسد، فصدق اللسان يعني الصلة مع الله سبحانه وتعالى، كما الانسان كائن اجتماعي يجب عليه ان يحفظ اخوانه ومجتمعه، فيعمل بمحبة وايثار وتسامح ونبذ التفرقة والعداوة، فمجتمعنا التوحيدي مبني على تلك القيم التي نحتاجها اليوم، في ظل التحديات الصعبة التي علينا مواجهتها بالتاكيد على قيم التلاقي والمحبة التي توّلد السلام. دعواتنا ان نبقى عائلة واحدة متماسكة ومترابطة تحمينا القيم والعقيدة، مهما كانت الصعاب كبيرة، ولكي نعيش مع شركاء لنا، وكل ذلك يقتضي منّا حكمة التعاطي والانفتاح والتمسك بالثوابت، وعدم الذوبان بل التكامل مع الغير بهويتنا الروحية والثقافية والتراثية والوطنية الأساسية".
وتابع: "نحن نحمل رسالة في هذا الوطن الذي قدّمنا لاجل المحافظة عليه التضحيات، وصون انفسنا يتطلب منا تنمية الثقافة الروحية حيث نعمل ما باستطاعتنا لتعزيز القيم، خصوصا في ظل الموجات الخارجة عن الطبيعة التي نسمع بها ونواجهها بتعاوننا جميعا".
ثم كانت زيارة لمقام المرحوم الشيخ الجليل ابو حسين ابراهيم ابو حمدان في البلدة، وتحدث مرحبا ومقدّرا حفيده الشيخ سعيد ابو حمدان، وردّ أبي المنى بكلمة، قائلا: "رحم الله الشيخ الجليل ابو حسين بما اكتنز من احترام وعلم روحاني وتقوى وحكمة وبمحبته لاخوانه، فكان مرجعا وقد عرفنا حرصه الشديد على ركائز العقيدة والقيم وقد كان ومن معه من مشايخ اتقياء وانقياء حراس العقيدة والقيم. رحم الله الشيخ الجليل وبارك هذه المدرسة والرسالة ومعه كل المشايخ الذين ساروا بذات النهج للسلف الصالح في المحافظة على القيم والتراث التوحيدي الأثيل".
وبعد ذلك كانت زيارة برفقة المشايخ الى مقام "الست صالحة" في البلدة.
بعد ميمس، انتقل سماحة شيخ العقل والوفد المرافق الى بلدة شويا قاصدا في محطته الاولى الشيخ ماجد ابو سعد الذي اقام له استقبالا حاشدا من المشايخ والفاعليات، والقى الشيخ ابو سعد كلمة تقدير لمسيرة شيخ العقل ودأبه على وحدة الكلمة وجمع الشمل و"تلك مدعاة فخر وثقة بشخصكم الكريم ومقامكم الرفيع"، مقتبسا من قول افلاطون الحكيم الاكبر كلامه حول "فضائل، الشجاعة والعفة والعدل الحكمة" التي ثمرتها حسن الخلق"، قائلاً: "وانتم يا سماحة الشيخ تتحلّون بجدارة بهذا الصفات، من سعة افق وبعد نظر وثقافة روحية تخوّلكم قيادة شجاعة للطائفة مع الزعيم وليد جنبلاط الى بر الامان والسلام".
وردّ شيخ العقل بكلمة، لفت فيها الى أننا "لسنا وحدنا في موقع المسؤولية بل أنتم المشايخ الافاضل الأتقياء الناصحون الواعظون المتفقّهون في الدين تحملون أيضاً هذه المسؤولية وهذه الرسالة، نعمل معا من وحي عقيدتنا ومسلكنا التوحيدي وتراث السلف الصالح، لنكون دائماً دعاة للخير ولجمع الشمل، هذا أمر طبيعي وبديهي وواجب ولا يمكن أن نتخلى عنه ونرجو ونتمنى أن يثمر، عسى ذلك ببركة مشايخنا ومؤازرتهم ودعائهم. نعمل بنيّة صافية ورؤية واضحة وإرادة قوية وصلبة لصلاح ونهضة وصيانة هذا المجتمع التوحيدي وهذا هو الهدف والمبتغى".
وأضاف: "هناك تحدّيات كبيرة واجهتنا منذ اليوم الأول منها الاقتصادية كما ترون والثقافية والأخلاقية والوطنية، والأمور تزداد تعقيدا ولكن من يحمل سلاح التوحيد كلما كبرت التحديات كلما قوي واشتد أكثر، هكذا هي القاعدة. علينا أن نكون أقوياء في ثباتنا على العقيدة في نهضتنا الدينية في "قبساتكم التوحيدية" التي نأمل أن تصدر قريباً في كتاب، هذه مسؤولية أن نواجه التحديات بالثبات على العقيدة بهذا التنوير وهذه المعرفة وهذا التوجيه. وهناك تحدٍّ على المستوى الأخلاقي وترون ماذا يحصل وكيف انهم يحاولون تغيير الطبيعة البشرية وما خلقه الخالق جل وعز وتغيير سلّم القيم، فثقافة الشذوذ الجديدة أمر خطير يحتاج إلى مواجهة جدية بالحفاظ على القيم والعقيدة".
وتابع: "اما بخصوص المجلس المذهبي فانه يقوم بواجبه على قدر الإمكان عبر تقديم المساعدات الاستشفائية المساعدات الاجتماعية ولكن بالطبع لا يمكنه ان يقوم بكل ما هو مطلوب، لسنا دولة وأصحاب قدرات لا متناهية، نعمل ايضا على دق أبواب الخارج، والعمل تاليا على استثمار الأوقاف وهذا يحتاج إلى قدرة مالية قوية اذا استطعنا أن نستقطب المتمكّنين الميسورين عندها يصبح هناك دخل مقبول نستطيع أن نقوم بجزء أكبر من الحاجات أكانت استشفائية او تعليمية، وأنا أرى أن هناك أيضا حاجة تعليمية أن نستثمر بأولادنا في التعليم في المدارس والجامعات نستثمر في التربية، في التفوق العلمي، لأن العالم متطور دائماً. يجب أن نستثمر بأولادنا، للتعلم في الجامعات وهذا يحتاج الى دعم، وهذا بالإضافة الى المراكز الثقافية التوحيدية التي بدأنا فيها من عبيه الى بعقلين الى عاليه وقريبا في راشيا وعسى ان تكون هنا ايضا، لكي نغذي أبناءنا بهذه الثقافة لمواجهة التحديات".
وشملت المحطات التالية في شويا زيارات قام بها شيخ العقل الى منازل الشيخ عزت داغر معتمد المشيخة في لندن، وأبو ريدان حسين بو سيف والشيخ نضال جمّاز ووكيلي داخلية حاصبيا ومرجعيون السابقين في الحزب التقدمي الاشتراكي سمير علوان ونائب مفوض التربية شفيق علوان، بحضور جمع كبير من المشايخ والفاعليات والاهالي. وردّ شيخ العقل على كلماتهم بالتنويه الكبير ببلدة شويا والحفاوة، قائلا: "ندرك حينئذ ان الطائفة بألف خير، ويكون ذلك اكبر من خلال التماسك والتضامن وبحفاظنا على هذه العلاقة والاخوّة التوحيدية، وهذا يحتاج الى جهود وعمل وتنظيم، والى حماية المؤسسات القائمة وبناء مؤسسات جديدة".
وأضاف "تشرفنا بحمل هذه المسؤولية وعلى كل فرد ان يحملها على مستوى قدرته من المنزل الى العائلة، حملناها بكل امانة في المساعدة لبعضنا البعض وفي حضورنا الوطني، وهي أمانة توحيدية وطنية وانسانية، فعسى نحن والقيادة السياسية والمشايخ والنخب في هذه الطائفة من نخب ثقافية واجتماعية ورجال الاعمال والنخب الاغترابية، نستطيع ان نحمل هذا الحمل. وبجمع شملنا وفكر صاف نحمل واياكم رسالة التوحيد والمسلك لصيانة المجتمع التوحيدي. وامامنا تحديات كبيرة اقتصادية واجتماعية عدة علينا ان نكون أقوياء بما نحمله من سلاح العقيدة الصحيحة للمحافظة على القيم وفي مسؤولية مواجهتها وهناك التحديات الأخلاقية".
كما زار أبي المنى الشيخ أبو سلمان غالب الشوفي في منزله، وقصد منزل والد المرحوم الشاب ريبال وليد دعيبس للتعزية، حيث استقبله ذووه ورئيس دائرة الحزب الديمقراطي اللبناني في البلدة رواد الشوفي واهالٍ، وعبّر شيخ العقل عن ألمه "لخسارة الشباب، لكن قوة الايمان اكبر من خلال عقيدتنا التوحيدية في مواجهة تحديّات الحياة والقدر والصبر ومحبتنا بعضنا لبعض، علينا التسلّح بقاعدة الرضا والتسليم والقبول بالقدر. رحم الله الشاب ريبال وابقاكم، وعزاؤنا الدائم اننا بمحبتنا لبعضنا ووحدتنا وتماسكنا نتجاوز مصاعب الحياة بالحكمة وشجاعة الرأي السديد وقوة الايمان والصبر".
وختاما، اقام عضو المجلس المذهبي رمزي الجمّاز في منزله في شويا لقاءً جامعاً ضم المئات تكريما لزيارة شيخ العقل، بحضور فاعليات وشخصيات روحية واجتماعية واهلية وحزبية من البلدة وقرى المنطقة، والقى خلالها كلمة ترحيب بسماحته، قائلا: "ها هي بلدتي الحبيبة شويا تهلل فرحاً بتشريفكم، يا من عملتم بجد واجتهاد من اجل وحدة الكلمة ووحدة الموقف، يا من ناضلتم في سبيل الدفاع عن الارض والعرض والمقدسات عندما كان هناك تهديد للوجود، ثم عدتم لتحملوا راية السلام وغصن الزيتون في السلم، فالتقيتم كل المخلصين وفي مقدمتهم قائد المسيرة وصمام الامان في وطننا الغالي، صاحب العقل الوازن والكف السخي والقلب المحب، الرجل الكبير الذي سجّل للتاريخ صفحاتٍ كُتبت بماء الذهب وتزينت بمواقف البطولة والرجولة والكرامة، عنيت به الزعيم الكبير وليد بك جنبلاط".
وأضاف الجمّاز: "لقد تطلعتم يا سماحة الشيخ نحو مستقبل لبنان وابنائه فوجدتم ان الحوار هو السبيل الوحيد للخلاص من الظلمة والظلامية، ومن هنا جاء قراركم الحكيم وبدأ عملكم في حوار الاديان وهذا ما ساهم بشكل لافت بتقريب المسافات بين جميع مكونات الوطن، على امل ان يجتمعوا على القواسم المشتركة ويشكّلوا متحدّين متحابين دولة قوية بشعبها واداراتها ومؤسساتها، دولة محصنة في وجه عواصف الفتنة والطائفية يحميها جيشها اللبناني ويحفظ فيها الامن والامان".
ثم قدّم لسماحة شيخ العقل هدية تقديرية عبارة عن مجموعة كتبية قديمة بعنوان: "الحنين الى بيروت".
ثم القى شيخ العقل كلمة جاء فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم
المشايخ والسادة الكرام، أيُّها الأحبّة، أحيِّيكم تحيةَ المحبة والأُخوّة... تحيةَ التوحيد والوحدة... تحيةَ الجبل للجبل والسهل للوادي، مبارِكاً هذا الجمعَ الكريم في رحاب هذه الدار العامرة لزميلنا في المجلس المذهبي الأستاذ رمزي، ابنِ عائلة جمّاز الكريمة وسليل هذا البيت المعروفيِّ الأصيل، وهو المعروفُ بأدبه وصدق انتمائه ومحبته واندفاعه وكرمه. أحيِّيكم وأُحيّي من خلالكم هذه الأرضَ الغاليةَ المُشبَعة بماء التقوى والمحبة، والمضمَّخة بدم الأبطال المدافعين عن الهويّة والكرامة والوجود. أُحيِّيكم وأُحيّي من خلالكم هذا التاريخَ المشرِّفَ المليءَ بمواقفِ العزَّة والكرامة والصمود... منذ أن كان للتيميّين، كما لأبناء الجبل والساحل، حماةِ العروبة والإسلام دورٌ طليعيٌّ في مهمة الدفاع والتصدّي للغرباء الغُزاة. أُحيِّيكم وأُحيِّي هذه المنطقةَ الغالية من الوطن، بل هذه الواحةَ التوحيديةَ الأغلى على قلوبِنا، المحصّنةَ بالأجاويد الأنقياء الأتقياء من السلف الصالح الذين شكَّلوا مدرسةً في الزهد والعيش الآمن معَ الله... هذه القطعةَ السماويةَ المباركة الشريفة، بما فيها من سيَرٍ غنيّة وخلوات روحية ومقامات عليّة، من البيَّاضة الزاهرة، بيَّاضة القلوب وولَّادة التُقاة من المشايخ الثِّقات، إلى معابد الشيخ الفاضل (ر) امتداداً من راشيّا إلى شويّا في سفوح جبل حرمون، إلى مقامات النبي شعيب (ع) ومزارات المشايخِ الأجلّاء أعلام المسلك التوحيديِّ الشريف في أكثر من قريَّةٍ ومكان، وفي أكثر من عائلةٍ وخلوة. أُحيِّيكم وأُحيِّي ما أنجبته هذه البلادُ المعطاءُ من تراثٍ فكريٍّ وأدبيٍّ ووطنيٍّ أصيل، وما أعطته من شخصياتٍ فذّة أغنتْ هذا التراثَ بالمواقفِ والمآثر، وكانت دائماً قلعةً وطنيةً عربيةً ثابتة، أُسُسُها راسخةٌ قويّة، وحصونُها منيعةٌ لا تُخترَق".
وأضاف: "من هذه البلدةِ الأبيّة، وفي رحابِ هذا الجَمعِ الطيِّبِ من المشايخِ والشخصيات الكريمة والأخوة والأهل والأصدقاء والزملاء، وحيث أجدُ نفسي مُحاطاً بالترحيب والتأييد، يغمرُني الاعتزازُ ببني قومي وعشيرتي، وأرى بوارقَ التاريخِ المضيئةَ تُطلُّ من هذا السفح وذاك الوادي وذلك السهلِ وتلك القِمم، حاملةً معها عبقَ التراثِ وأريجَ العنفوان وسُموَّ التوحيد... وكأنّني من هنا أُخاطبُ معكم جبلَ الشيخِ الفاصل الواصل بين أهلٍ لنا هنا وأهلٍ لنا هناك، موحِّدين معروفيين تفصلُ بينهم الحدودُ الجغرافيةُ ولكن تصلُ في ما بينهم وتوحِّدُهم الهويّةُ التوحيدية؛ الهويةُ العربيةُ الإسلامية، الهويةُ الروحيةُ والثقافيةُ والاجتماعية، وتجمعُهم مشاعرُ الأخوَّةِ وساحاتُ الرجولة والبطولة وثوابتُ العقيدة ومكارمُ الأخلاق...
معكم أخاطبُ حرمونَ الأبطالَ والشهداءَ، حرمونَ الشهيد عمَّارَ (ر)، حرمونَ الشيخَ الفاضلَ (ر)، أُخاطبُ حرمونَ فأقولُ ما قلتُه يوماً:
حرمونُ، شيخَ الكلِّ، مجدُك ماثلُ
في كلِّ مَكرُمةٍ، وشيخُكَ فاضلُ
فكلاكُما جبلٌ تحدّى الرِّيـحَ، لم
يَرضَخْ، وكلّلَهُ البيـاضُ الشاملُ
والفرقُ أنَّ عمامةَ الشيخِ اكتمالٌ دائمٌ، لكنّ ثلجَك زائلُ
حرمونُ، يا ذا العزِّ، يشهدُ أنّ وا
دي التَّيمِ لا يَقوى عليه الجاهلُ
وبأنَّ عمّـارَ الشهيدَ مُخلَّدٌ
فينا، ولم يخلُدْ سُكَينُ القاتلُ
وبأنّ هذي الأرضَ أرضُ قداسةٍ
فيها من التوحيدِ سرٌّ كاملُ
وتابع: "تعلمون، ولا شكّ، أنّنا نواجهُ تحدّياتٍ جمّة على أكثرَ من صعيد، وأنّ علينا أن نتصدّى لها بالثبات والتماسك والتعاضد. بالأمس القريب التقيت حكيمَ هذا الزمن الصعب الأستاذ وليد بك جنبلاط، وكانت لنا جولةُ أُفُقٍ، وكما في كلِّ مرَّة نطمئنُّ فيها إلى حكمته وقيادته، فقد لمستُ حرصَه على وحدة الطائفة ووحدة الجبل كأساسٍ لوحدة الوطن، وتشديدَه على أهمية الحوار والتفاهم كمدخلٍ لإيجاد الحلول، في وقتٍ تكثر فيه الطروحات والتجاذبات، ويزداد الوضعُ الاقتصادي والمعيشي سوءاً، وتتفاقمُ قضيةُ النازحين وتأثيراتُها الداخلية، ولا تلوحُ في الأُفُقِ حلولٌ واضحة لمعالجتها، وتخفُّ شهيّةُ الدولِ الكبرى للمساعدة الجديّة بحلّ الأزمات المتراكمة، وأوّلها الأزمة المعقّدة لانتخاب رئيس للجمهورية، وأزمةُ فراغ المؤسسات من مسؤولين أصيلين واحدة بعد الأخرى، ممّا أدَّى ويؤدِّي إلى فقدان الثقة بالدولة وبإمكانية الإصلاح والنهوض.
في خضمِّ هذا الواقع المعقَّد، والذي تعرفونه ويعرفُه جيِّداً الأستاذ وائل أبو فاعور ويعيش يوميَّاتِه ويتابعُ حيثياتِه بمسؤوليةٍ وواقعية، تُطلُّ علينا انتفاضةُ السويداء في وجه القهر والحرمان وسوء الحالة الاقتصادية، ممَّا يدفعُنا لتوجيه النداء تلوَ النداء للدعوة إلى حماية أمننا من العبث والفوضى والجوع وغياب الخدمات والتقديمات، وتوجيه التحية إلى أهلِنا في جبل العرب ودعوتِهم إلى التماسُكِ والتكاتفِ والسير خلف قياداتهم الروحية والوطنية، والاجتماع على كلمةٍ واحدة وموقفٍ واحد وإرادةٍ واحدة، وأبناءُ الجبل أدرى بواقعِهم ومُتمسِّكون بهويتِهم السورية العربية ورافضون أيَّ طرحٍ انفصاليٍّ، ومُدركون عاقبةَ أيِّ تهوُّرٍ أو أيِّ خنوع".
وأردف: "أمَّا في المجلس المذهبي ومشيخة العقل فالمسؤولية كبيرة والملفَّاتُ عديدة، نتصدَّى لها برؤيةٍ واضحة وإرادةٍ صلبة وواقعيةٍ وهدوء، عبر مجلس إدارة مخلص وكفوء، وهيئة عامَّة متعاونة، وإدارة حاضرة، ولكنَّ الأزمات المتلاحقة تعيق تحقيق الطموحات والإنجازات، والمساعدات الاستشفائية والاجتماعية تفوق القُدُرات، لكنّنا نسعى ما استطعنا، أكان على صعيد العمل الاجتماعي أو الديني والثقافي أو الاغترابي، أو على صعيد التنظيم الإداري والمالي، أو على صعيد الأوقاف واستثمارها. وضعنا العديد من الخطط، أنجزنا بعضها، ونأمل تحقيقها كاملةً، من خلال برامج التعاضد الاجتماعي، وفي مقدمتها "سند"، وعلى أمل الحصول على دعمٍ مستمرٍّ للصندوق الخيري الإنمائي الذي أنشأناه، ومن خلال برامج الثقافة التوحيدية، وأولها كلية الأمير السيد عبدالله التنوخي في عبيه التي خرّجت بالأمس الدفعة الجامعية الأولى من الأخوة والأخوات، وكذلك مراكز الثقافة التوحيدية التي بدأنا بها في بعض المناطق، وبرامج التواصل مع الاغتراب، وقد عملنا على تنظيم عمل معتمدي مشيخة العقل وأقمنا المؤتمر الاغترابي منذ أيام ونسعى لربط الجمعيات الدرزية الاغترابية في بوتقة تعاونٍ وتنسيق، ومن خلال إطلاق خطة استراتيجية قريباً لاستثمار الأوقاف وإقامة المشاريع، وبالتعاون مع إخواننا في العيش المشترَك في الجبل والوادي كخطوة لترسيخ الصمود الاجتماعي والمصالحة، ويحدونا الأمل الكبير لتحقيق تلك التطلعات خطوةً خطوة، بالتعاون مع القيادة السياسية والنخب العلمية ورجال الأعمال والمقتدرين من أهلنا المغتربين والمقيمين، علَّنا بتعاضدنا وعملنا المؤسساتي واندفاعنا المعروفي والوطني نعزِّز الثقة بأنفسنا وبمجتمعنا وبالوطن الذي لا بدَّ منه ولا بديلاً عنه".
وختم: "تحيةً لكم أخوةً وأصدقاءً وأبناءً أعزَّاء، شكراً لحضورِكم واستقبالكم، شكراً أخ رمزي، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك