كتب نادر حجاز في موقع mtv:
"الدروز كما طبق النحاس"، قولٌ يتداوله أبناء طائفة الموحدين الدروز للدلالة على مدى ترابطهم في أماكن تواجدهم، تحديداً في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن. فكل استحقاق داهم يطالهم في إحدى هذه الدول، عادة ما يستنفر جميع الدروز لنجدتهم والوقوف إلى جانبهم، وما حصل في هضبة الجولان منذ أسابيع خير دليل على هذا الرابط، وهو بمثابة العصب في الجسم.
وهكذا يبدو الحال تجاه الأحداث في منطقة السويداء في سوريا، والتي دخلت أسبوعها الثالث، حيث تشهد المحافظة الجنوبية تحركات لافتة انطلقت احتجاجاً على ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وأبعد من ذلك، بعد الشعارات التي رُفعت في بعض التظاهرات في وجه الدولة السورية، وهذه من المرات القليلة جداً التي تحصل في جبل العرب منذ اندلاع الحرب في العام 2011.
يراقب دروز لبنان هذه الأحداث، وهم الذين تجمعهم مع دروز سوريا الكثير من أواصر القربى والعلاقات الاجتماعية، والذاكرة المجتمعية الواحدة مع كل ما تمثّله من محطات على مرّ التاريخ، والتي التحموا خلالها في تحديات مشتركة كانت أبرز تجلياتها في الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش في العام 1925.
إلا ان الأحداث السورية لطالما شكلت عامل انقسام في المشهد الدرزي في لبنان، بين الفريق الحليف للدولة السورية والمتمثل برئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان ورئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب من جهة، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط الذي أعلن تأييده للثورة السورية منذ بدايتها ووجه أكثر من رسالة الى أبناء جبل العرب في السنوات السابقة للالتحاق بحراك الشعب السوري المعارض.
المشهد لم يتغيّر اليوم على وقع حراك السويداء الجديد، بين "التقدمي" الذي سارع الى دعم التحركات وكل من "الديمقراطي" والتوحيد" اللذين تعاطيا مع الأمر بحذر وألمحا مراراً إلى أن هناك من يقف خلف ما يجري هناك. فكيف يقارب الفريقان تطورات السويداء وقد دخلت في أسبوعها الثالث؟
مصادر الحزب الديمقراطي اللبناني لا ترى أفقاً لما يحصل في السويداء، وتقول عبر موقع mtv: "طبعاً هناك مطالب معيشية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمرّ به سوريا بشكل عام، وهذا نتيجة الحصار وقانون قيصر والحرب على مدى ١٣ سنة، ولكن يبدو ان المطلوب نتيجة هذا الوضع الاقتصادي حصول هذه الاعتراضات، وللأسف هناك أياد خارجية تتدخل بهذا الموضوع وهناك أشخاص مدسوسين لتوجيه هذه المطالب نحو أمور سياسية ومآرب معروفة الأهداف".
وعلّقت المصادر على التحركات الميدانية بالقول: "التحرك محدود، ولم نشهد تحركات في باقي المحافظات رغم أن الوضع المعيشي قائم في كل المناطق وليس في السويداء فقط. ولذلك لا نرى أفقاً للتحركات، رغم المحاولات الجدية لتخريب الوضع لكنهم لن يصلوا الى نتيجة".
وحول الموقف السوري الرسمي، لفتت المصادر الى أن "الدولة السورية لا تقوم بأي ردة فعل وتترك المجال للناس للتعبير عن رأيها، ولا تقوم بقمع أحد طالما الأمور في الإطار السلمي والمطلبي. والدولة لا تريد أن تسمح لأحد بجرّها الى حيث يريد، ولا تحصل أي مواجهة بقرار واضح من الدولة".
وحذّرت المصادر من أن السيناريو نفسه الذي بدأ في العام ٢٠١١ يتم العمل عليه اليوم، والأداة نفسها تعمل، قائلة: "المشروع الأميركي لا يزال يحاول الضغط على سوريا، لا سيما بعد القمة العربية والانفتاح الذي حصل على سوريا، حتى من قبل الأوروبي، وتحديداً في شمال سوريا أو في الجنوب من خلال الإيحاء بامكانية إنشاء إدارة مستقلة وفتح معبر على الأردن، الأمر الذي يحاول بعض المدسوسين التسويق له بحجة الوصول الى وضع اقتصادي أفضل".
وحول موقف مشايخ العقل، أشارت إلى أن "موقف مشايخ العقل واضح لجهة المطالب المعيشية الواضحة، وبعض الأمور محقين بها، وقاموا بتصحيح موقفهم بدءا من الشيخ حكمت الهجري الذي صحّح المسار لجهة أن المطالب المعيشية تحت سقف الدولة ورفض أي مطالب تتعلق بالاستقلالية، وكذلك الشيخ يوسف جربوع الذي أصدر بياناً واضحاً تحت راية الدولة السورية وعلمها وجيشها، وقد وقّع الشيخ أبو وائل حمود الحناوي هذا البيان. وبالتالي موقف مشايخ العقل واضح رغم محاولة البعض استغلاله".
ورداً على سؤال، أكدت المصادر أن "رئيس الحزب طلال ارسلان على تواصل يومي مع القيادات والأهالي والمشايخ في سوريا، كما قيادة الحزب التي تتواصل لحظة بلحظة مع القيادة السورية ومع القيادات الروحية والأهالي والعائلات واللقاءات مستمرة"، كاشفة أن "ارسلان على اتصال دائم مع الرئيس السوري بشار الأسد، ومن المؤكد أنه حصل اتصال خلال هذه الفترة أيضاً".
في المقابل، تبدو النظرة مختلفة تماماً، حيث أشارت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي عبر موقع mtv الى أن "مستقبل الحراك مرتبط بالظروف، لكن الشعب السوري قدّم الكثير من التضحيات على مدى 12 عاماً من قتل وتهجير ودمار، وهو يثبت أنه شعب حيّ ورغم مرور 12 سنة لا زال صامداً ويتحرّك رغم كل ما جرى، لكننا لا يمكننا أن نتنبأ بمستقبل هذا الحراك اليوم خصوصاً وأن الظروف الموجودة في المنطقة غير مشجعة".
وحول طبيعة هذا الحراك، أكدت المصادر أن "التحرك منذ البداية لم يكن معيشياً صرفاً إنما تحركاً سياسياً له أوجه مختلفة ومنها البعد المعيشي، لأن الحصار على السويداء هو بهدف ما بطبيعة الحال، وبالتالي طبيعة الحراك غير منفصلة ما بين المطلبي والسياسي".
وعن الدور الذي يقوم به "الاشتراكي" إزاء ما يجري، أكدت مصادره: "نحن لا نتعاطى بالداخل السوري، وهذا موقفنا منذ العام 2011، لم ولن نتدخل، لقد كان هناك اتصالات سياسية ولقاءات حصلت مع أطراف في المعارضة السياسية لكننا لم نتدخل يوماً ميدانياً وهذا الأمر لن يتغيّر".
وأوضحت أن "الموقف الذي نتخذه بدعم الثورة السورية هو موقف سياسي مبدئي وليس موقفاً عملانياً بالمعنى المباشر، وبالتالي لم تتغيّر مقاربتنا منذ العام 2011 حتى اليوم وموقفنا نفسه"، مضيفة "موقفنا داعم لمطالب وحراك الشعب السوري في السويداء ودرعا وحمص وفي كل المناطق ولا شيء أكثر من ذلك، وإن كان البعض يحاول تحميلنا أكثر مما يحتمل الأمر".
مادة خلافية جديدة دخلت الى يوميات دروز لبنان، بانتظار ما ستؤول اليه الأحداث في جبل العرب، وعمّا إذا كان فعلاً هناك مشروع أكبر بانتظار سوريا في ظل تطورات الحدود الشرقية وتوزيع الأدوار المستجد، وحينها هل سيسلم لبنان من الدومينو الاقليمي الجديد؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك