كتب منير الربيع في "الجريدة" الكويتية:
لم تنجح كل محاولات تسوية ملف اشتباكات مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا جنوب لبنان، وما كان متوقعاً حصل لجهة إعادة اندلاع الاشتباكات بين مجموعات من حركة فتح من جهة، وبعض القوى الإسلامية من جهة أخرى. كل المحاولات التي بذلتها منظمة التحرير الفلسطينية مع الدولة اللبنانية لسحب فتيل التوتر والاشتباك باءت بالفشل حتى الآن، في ظل عدم قبول القوى الإسلامية بتسليم المتهمين التسعة باغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني في المخيم، اللواء أبو أشرف العرموشي. ثمة تخوّف من أن يصبح المخيم بؤرة صراع مفتوح بين هذه القوى والفصائل في جولات قتالية متتالية.
وقد اندلعت ليل الخميس - الجمعة جولة قتالية جديدة، تبادل فيها الطرفان الاتهامات، فالقوى الإسلامية اتهمت حركة فتح بشن الهجوم، فيما اتهمت «فتح» القوى الإسلامية بأنها هي التي حاولت أن تتقدم باتجاه مواقع للحركة. فيما تؤكد مصادر أمنية لبنانية أن مقومات الاشتباك ستبقى قائمة، مادام أنه لا قرار بتسليم المطلوبين بتهمة اغتيال العرموشي. وتأخذ الاشتباكات التي استمرت طوال أمس في المخيم أبعاداً سياسية كثيرة، كما أنها تتضمن صراعاً على النفوذ داخل المخيمات.
ووفق ما تكشف مصادر أمنية أنه طوال الفترة الماضية كانت القوى المتصارعة تعمل على تحصين مواقعها، تحسباً لاندلاع اشتباك جديد، فيما لم تنجح كل المحاولات السياسية في الوصول إلى تسوية، إذ إن بعض الجهات في حركة فتح تصرّ على ضرورة الحسم العسكري.
وتقول مصادر في القوى الإسلامية، إن «فتح» لن تكون قادرة على الحسم العسكري، خصوصا أن القوى الإسلامية كانت قد عززت حضورها ومقاتليها، ما يشير إلى أن الصراع على النفوذ سيستمر طويلاً، إذ إن «فتح» تعتبر أنها مستهدفة دائماً، وخصوصاً مخيم عين الحلوة، وهو أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وهي صاحبة النفوذ الأوسع فيه، مع الإشارة إلى أنه جرى تطويق نفوذ «فتح» منذ سنوات طويلة في مخيمات أخرى لا سيما في نهر البارد، وشاتيلا، والبرج الشمالي والمية ومية لمصلحة فصائل أخرى، فتبدي «فتح» تخوفاً من أن يكون المشروع يهدف إلى تطويقها وشرذمتها أكثر.
كل الاجتماعات التي تُعقد في سبيل وقف إطلاق النار، تبدو غير منتجة أو فعّالة، وكل الهدن تبقى هشّة في ظل عدم توافر ظروف جدية لسحب فتائل التفجير، وكل ذلك سيبقي المخيم ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات، وسط المزيد من التهديدات المتبادلة التي يطلقها المتصارعون تجاه بعضهم البعض، خصوصاً أن القوى الإسلامية أوصلت رسالة تهديد إلى حركة فتح بأنه في حال تعرّض مواقعها لأي هجوم، فإنها سترد بالمثل، ولو أدى ذلك إلى اشتباك أكبر وأوسع، وهذا أيضاً لا يلغي احتمال استمرار عمليات الاغتيال بحق شخصيات وقيادات من الطرفين. كل هذه التطورات ستفتح ملف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وملف السلاح داخل المخيمات وخارجها، وهو ما سيكون في صلب أي مفاوضات سياسية تتعلق بالوصول إلى تسوية رئاسية في المرحلة المقبلة.
فيما هناك من يعتبر أن استهداف أمن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ستكون له أبعاد أخرى على المدى البعيد، وهو ما يتصل بتهجيرهم إلى خارج لبنان، لتقليص أعدادهم، في سبيل توطين أعداد قليلة من المتبقين، بينما يبقى التخوف من أن تنسحب مثل هذه الأحداث على مخيمات اللاجئين السوريين في مرحلة لاحقة، خصوصاً نتيجة الحملات التي يتعرّض لها السوريون، وفي ظل عملية منظمة لتهريب المزيد منهم إلى الداخل اللبناني، مما قد يؤدي إلى رفع منسوب التوتر الأمني.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك