كتب يوسف دياب في "الشرق الأوسط":
لم تحمل مراسيم التجنيس التي أقرّها مجلس الوزراء اللبناني، ومنح بموجبها الجنسية لـ91 شخصاً أي مفاجأة، باعتبار أنها شملت مغتربين متحدّرين من أصل لبناني، بموجب «قانون استعادة الجنسية» الذي أقرّه البرلمان في عام 2015، لكنّ المفاجأة تكمن في الإحجام عن تقديم طلبات استعادة الجنسية، بما يتعارض مع رغبة الفريق السياسي الذي وجد في القانون المذكور انتصاراً سياسياً وشعبياً له، والذي جاءت نتائجه مخيبة، إذ إنه بدل إغراء المغتربين بالحصول على جنسيتهم الأم، شهد لبنان موجات من الهجرة في السنوات الأخيرة فاقت كلّ التوقعات، وشملت بشكل أساسي الشباب وأصحاب الكفاءات في كلّ الاختصاصات.
اللافت أنه بعد مضي ثماني سنوات على صدور قانون استعادة الجنسيّة، الذي سعى إليه «التيار الوطني الحرّ» وجيّره في خانة انتصاراته، فإن مجمل الذين استعادوا الجنسية يقارب الـ1000 شخص.
وأشار الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، إلى أن «مجموع الذين استعادوا الجنسية اللبنانية منذ إقرار القانون بلغ 950 يضاف إليهم الذين منحتهم الحكومة الجنسية في جلسة مجلس الوزراء» الأسبوع الماضي.
ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا الرقم يعدّ مخيّباً للغاية، لأن الذين قاتلوا من أجل هذا القانون وسعوا لإقراره، راهنوا على استعادة 300 ألف شخص جنسيتهم اللبنانية، من أجل استعادة التوازن الديمغرافي، باعتبار أن المراد من القانون استمالة المسيحيين في الخارج على وجه التحديد».
هجرة عكسية
بموازاة إقرار هذا القانون ولامبالاة المتحدرين من أصل لبناني باستعادة الجنسيّة، سجّلت الإحصاءات أرقاماً مخيفة للهجرة من لبنان لا سيما باتجاه أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج سعياً وراء حياة كريمة، وتجاوزت الأعداد نصف مليون شخص غالبيتهم من المسيحيين، ومن خريجي الجامعات والمنتسبين إلى نقابات المهن الحرّة، لا سيما قطاعات الأطباء والمهندسين والمحامين. وكشف شمس الدين أن «أغلب الذين استعادوا الجنسية هم مسيحيون في المكسيك ويليها البرازيل وبلدان أخرى، لكن للأسف لبنان خسر الآلاف من الشباب والكفاءات». وذكّر بأن «مفاعيل قانون استعادة الجنسية تسقط بعد عامين، لأنه أقرّ على مدى عشر سنوات فقط، ولا يمكن الاستمرار بالتسويق لهذا الأمر إلّا بإقرار قانون جديد».
لا تشكل الجنسية اللبنانية عامل إغراء للمغتربين في الوقت الراهن، خصوصاً بعد الانهيارات المتسارعة التي يعيشها لبنان وغياب أفق الخروج من الأزمات المستفحلة. ورأى الخبير في السياسات العامة زياد الصائغ أن «قانون استعادة الجنسية للمتحدرين من أصل لبناني كان ضرورة لسدّ ثغرة تشريعية، وإرسال رسالة واضحة للمتحدرين من أصل لبناني بأنهم قادرون على استعاد جنسيتهم الأم». وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «هذا القانون أعطى نتائج عكسية، بدليل الإحجام عن طلب استعادة الجنسية بسبب ممارسات المنظومة المدمَّرة للدولة ولهوية لبنان الحضارية».
انتصارات مزعومة
وأكد الصائغ أن «منظومة الحكم لا يمكنها مخاطبة المتحدرين من أصل لبناني، وإقناعهم بالحصول على الجنسيّة إذا كان البلد يحكَم بهذه الطريقة»، معتبراً أن «أبطال هذا القانون الذي تحدثوا عن انتصارات مزعومة تلقوا صفعة قويّة عبر الانكفاء لأنهم يدمرون البلد».
وتفيد الإحصاءات بأن الهجرة ارتفعت بشكل كبير إثر الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي شهده لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وسأل الصائغ: «هل رسخ بذهن الذين احتفلوا بانتصار استعادة الجنسية، أنهم أرادوا إبرام صفقة شعبوية لا أكثر؟ وهل كانت لديهم رغبة حقيقية باستعادة التوازن الديمغرافي من خلال هذا القانون؟ علماً بأن اتفاق الطائف أقرّ اللامركزية الإدارية الموسعة وانتخاب مجلس للشيوخ، وانتخابات برلمانية خارج القيد الطائفي، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني ومكافحة الفساد».
وأكد أن «منظومة السلطة استغلت حينها هذه الطبخة واستثمرتها بشعارات طائفية مذهبية تخدم برنامجها السلطوي وتحالفاتها المصلحية، وليس على مبدأ إعادة التوازن». ولا يخفي زياد الصائغ أن «القانون كان ضرورة، لكن تبيّن لاحقاً أن المروجين له أرادوا انتصاراً سياسياً وإعلامياً لا علاقة له بالمبدأ الذي يعطي المتحدرين حق استعادة الجنسية اللبنانية».
الداخلية: لا صفقة سياسية
وبدا لافتاً طرح مراسيم التجنيس لـ91 شخصاً من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء، ما طرح علامات استفهام حيال الاستعجال في بتّه. وهنا يسأل الصائغ: «ما المعايير التي اعتمدتها الحكومة لإعادة الجنسية لهؤلاء؟». وعبّر عن أسفه «لكون وزير الداخلية (القاضي بسام المولوي) الذي وقف سداً منيعاً بوجه مرسوم التجنيس بمرحلة سابقة، لم يكشف عن المعايير التي على أساسها تمّ إعطاء الجنسية، ولماذا طُرح الموضوع بشكل مفاجئ ومن خارج جدول أعمال مجلس الوزراء؟». ورأى الصائغ أنه «لا يمكن للمتحدرين من أصل لبناني أن يُقبلوا على استعادة الجنسية، قبل أن يستقيم وضع البلد، ونصل إلى حكم يسوده القانون وتستعيد فيه المؤسسات الدستورية دورها بشكل حقيقي وفاعل».
وفي معرض الردّ على الانتقادات التي طالت الوزير المولوي، أوضح مصدر في وزارة الداخلية لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزارة «تحققت من الشروط التي يتطلبها منح الجنسية». ولفت إلى أن «المراسيم التي أُقرّت استوفت كل العناصر المطلوبة، وبالتالي فإن تمريرها، ولو من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء، لا يعني وجود صفقة سياسية وراءها، بل إعطاء لبنانيين حقّهم في استعادة جنسيتهم الأساسيّة، وفق المعايير التي يلحظها القانون».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك