وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة المولد النبوي الشريف لهذا العام، من مكتبه في دار الافتاء الجعفري، وجاء في نصها: "كأساس للمولد النبوي الشريف الذي أراد الله له أن يكون عنوان رحماته المتفردة، والخاتمة السماوية لأهل الأرض، قدم الله تعالى نبيه محمد(ص) ضمن سلسلة الشرف المأخوذ فيها العوالم الطولية في عالم الخلق، فقال جل وعلا (وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين)، ليقول للخلائق: عظمة النبي محمد(ص) لدنية، ومحله رأس الشرف بعالم الفيض، وخصوصيته متفردة بعالم الملك والملكوت، وميثاقه مقرون بالأصر الأكبر، المأخوذ على الأنبياء، وفيه شهادة الرب وعهده المشدد بأعظم الخلائق، وأشرف الرسل وأكبر الأنوار التي اختصها الله لنفسه بحبيبه ومصطفاه العظيم الأعظم محمد(ص).
ضمن هذا السياق من ولادة رسول الله محمد، كشف الله الستار عن أشرف رحماته العظمى، وآياته الكبرى، وأسس للحظة التقاء الإنسان بالإنسان، كحدث لتاريخ السماء بالأرض، وطبيعة عناقها لعواطف ووظيفة الإنسان في دار الدنيا.
أيها اللبنانيون من هنا، أكد النبي الأعظم قداسة الإنسان، واحترام ذمته، بل دعا أهل الأرض لأن يكونوا رابطة إنسانية واحدة، وذم الظلم، ومقت الفساد، ونال من التعددية التي تتشاطر الإنسان وفقاً للنزعة القومية والعداوة السياسية التي تعتاش على الانتقام والخراب والحروب ولعبة الإنهاك الكياني، وحسم لحظة اللقاء المحتوم مع الله تعالى.
كان النبي (ص) صريحا وواضحا بأن حماية الإنسان وتأمين حاجاته وتكريس دوره الأخلاقي والوجودي ضرورة مطلقة في عالم الخلق. ولذلك دعا (ص) الأديان لأن تتلاقى لتقرأ الله ربها، وتبني على المشترك، وتقود المصالح البشرية في سياق اللقاء التاريخي للأديان، والضرورة المحتومة لحضارة الإنسان.
وهذا ما نريده لهذا البلد المصلوب فوق خشبة الخرائط الدولية الإقليمية، بخلفية تأكيد أخوتنا بالله والوطن، خصوصاً أن روح الدين تجمع ولا تفرق، كما أن الرسالات السماوية تتفق على الرحمة والمحبة والنزاهة والخير، وإدانة الظلم والفساد والطغيان والشر.
وبلدنا لبنان يعاني اليوم بشدة ومصيره مهدد، وسط إنهاك دولي وإقليمي لدوره ووظيفته. وهنا بالذات يجب ألا نكون طوباويين، لأننا ضمن واقع وتيارات محلية ودولية وإقليمية هي الأكثر تعقيدا وخصومة، واللعبة الدولية لا تعرف لغة الأديان والطيبة الإنسانية.
أيها اللبنانيون، بلدكم يعاني من أسوأ قطيعة سياسية تتهدد كيانه ككل، والمطلوب حماية عائلتنا اللبنانية وشراكتنا الإسلامية - المسيحية، وإنقاذ مشروع الدولة، والانتهاء من أسوأ فراغ رئاسي، وهذا الأمر لا يحتاج إلى "توسكانا" أو "فيينا"، بل إلى تسوية وطنية في المجلس النيابي كمؤسسة تمثيلية عليا للبنانيين.
ولا أبالغ إن قلت: إن الرئيس نبيه بري في هذا المجال فرصة تاريخية، وعدم تلبية الحوار الانتخابي الذي دعا إليه نحر للبلد، وإغلاق لفرصة الإنقاذ، والوقت ينفد، والقضية قضية وطن لا قضية بازار.
وكموقف لصالح العائلة اللبنانية أقول: لبنان شراكة ميثاقية، وعائلة وطنية، واللعب بميثاقية لبنان ليس بصالح أحد، لذلك فإن مستقبل لبنان من مستقبل الحوار، والكارثة التي تهدد البلد توجب علينا التضامن الوطني، بعيدا عن سيناريو قلب الطاولة وغلق الأبواب.
ولأننا أمام لحظة تاريخ وضمير ومصير، أتوجه للقيادات السياسية والروحية وأقول: الحوار الإنقاذي أوجب من الصلاة والصوم، والتلاقي الوطني أوجب الواجبات، والقطيعة كارثة وحرام وخيانة، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر عليه أن يلبي واجب الحوار الإنقاذي؛ والإنقاذ الرئاسي بالمقاييس الوطنية يساوي إنقاذ لبنان، خصوصاً أن البلد يرزح تحت أسوأ حصار تقوده واشنطن، والساتر الإسرائيلي وسواتر الإقليم والعالم موجودة ومختلطة بزخم، كما أن مفوضية اللاجئين وأوروبا وواشنطن تتعامل مع لبنان كمخيم للنازحين، فيما التمويل الأوروبي الأميركي الأممي لجيوش الجمعيات الملونة يهدد صميم مصالح لبنان وتركيبته الوطنية. وحذار من الهروب، لأن الإصرار على خنق لبنان ماليا واقتصاديا حرب لا حرب بعدها، كما أن رائحة الأحلام القديمة للصهيوني كارثة، والأخطر أن بعض الإعلام الداخلي يقود فتنة طائفية سياسية، يريدها اللاعب الدولي على طريقة الخرائط والمراحل.
لبنان الآن أمام لحظة مصير، والحل بالتضامن الوطني والإنقاذ الحواري. وكمفتاح للدفاع الوطني عن المصالح الوطنية، أقول للحكومة اللبنانية: لا بد من فعل استراتيجي لأن البلد بخطر استراتيجي، ومصير الكيان اللبناني على المحك، وفي هذا السياق فإن الإنقاذ الحكومي لليد اللبنانية والأسواق والقطاع التعليمي والصحي والمعيشي وتأمين مالية الدولة وإنعاش القطاع الاجتماعي وتأكيد الأمن الوطني كل ذلك ضرورة وطنية عليا، كما أن حماية البلد من النزوح بموجتيه الأولى والثانية ضرورة وجودية للبنان، وواجب الحكومة في هذا المجال يكمن بتحويل النزوح إلى عبء على أوروبا، بل إن فتح البحر أمام النزوح هو سلاح سيادي لا يعادله سلاح.
ولمن يهمه الأمر، رغم كل الكوارث التي تم العمل عليها وتنفيذها، فإن لبنان ما زال قويا بإذن الله، وإمكاناته الوطنية كبيرة، وسيادته الكيانية معززة، وزمن التهويد وتوطين المصالح الدولية انتهى؛ وتضحياتنا من أجل الشراكة الوطنية والسلم الأهلي ومشروع الدولة لا نهاية لها. والذي لا يقبل الجدل في سجل تاريخنا الوطني لهذا البلد: لا توطين، ولا تطبيع، ولا سكوت عن خرائط النزوح، ولا تقسيم، ولا فوضى، ولا عداوة طائفية، ولا فراغ للأبد؛ وما يصلح للمسيحي وطنيا يصلح للمسلم وطنيا. ولن نقبل بأي طرح لا شراكة إسلامية - مسيحية فيه.
وفي هذا المجال، المطلوب من الإخوة العرب، أخذ موقف داعم للبنان، بعيدا عن خرائط الإنهاك الأميركي؛ ومن الجيد أن يفهم البعض أن سلم المنطقة من سلم لبنان، ولبنان ركن وثيق بتوازنات المنطقة، واللعب بسلمه سيكون كارثة على المنطقة كلها، وجداول التطبيع ستكون محرقة للمنطقة، وحلم تل أبيب بدور عابر للمنطقة ليس أكثر من حلم إبليس بالجنة، وإسرائيل عدو مطلق وغدة سرطانية والحل باستئصالها وليس بالتطبيع معها؛ والأزمة اللبنانية حلها بيد اللبنانيين، وكما تعانق المسيح ومحمد بمشكاة الرب وكلمة السماء، كذا المسيحية والإسلام، ولا كرامة للبنان إلا بشراكته الوطنية، وسلمه الأهلي، ودولته الجامعة، ونهضته السياسية، وعائلته اللبنانية... وكل عام وأنتم بخير، عشتم وعاش لبنان".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك