كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في "الراي":
رغم الدفْع الذي أعطاه إطلاقُ الموفد الفرنسي جان - إيف لودريان إشارةَ انتقالِ «مجموعة الخمس حول لبنان»، صفاً واحداً، إلى مرحلةِ حضّ اللبنانيين على إخراج الانتخابات الرئاسية من الدائرة المقفلة عبر «حلٍّ وسط» اسمه «الخيار الثالث»، فإن أحداً في بيروت لم يكن قادراً على استشرافِ ما بعد هذا التطوّر الذي بدا أن الخارج وَضَعَ معه اللبنانيين أمام «عدٍّ عكسي» حدّد له إطاراً زمنياً لإنهاء الشغور وإلا اللجوء إلى إجراءاتٍ زاجرة كـ «وقف التمويل».
وقد شخصتْ الأنظار أمس، إلى اللقاء الذي عُقد في الرياض بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ولودريان بوصفه «المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي إلى لبنان»، حيث جرى «عرض العلاقات الثنائية، وسبل تكثيف التنسيق المشترك».
وبحسب الخارجية السعودية، فقد تمت أيضاً «مناقشة آخر تطورات الملف اللبناني، والمستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية»، بحضور المستشار نزار العلولا وسفير المملكة لدى لبنان وليد بخاري.
وانعقد اللقاء فيما لم تتوافر معلومات جديدة عن حِراك الموفد القطري أبوفهد جاسم آل ثاني الذي يحاول توفير تَقاطُع داخلي على مبدأ الخيار الثالث الذي كان البعض يشكّك في أنه طرْح «الخماسي» مجتمعاً، قبل أن يأتي موقف مبعوث الرئيس إيمانويل ماكرون، ليقطع الشك باليقين حيال انتهاء مرحلة تعدُّد السقوف بين شركاء المجموعة (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر وقطر) في ما خص الأزمة اللبنانية والتحاق باريس بالإطار العام الذي رُسم في اجتماع الدوحة، وبات ضابطاً لمقاربة الخماسي الدولي - الخليجي - العربي لواقع «بلاد الأرز».
وفي حين كان الحِراك القطري يوصف بأنه «سِباحة تحت الماء ومحاولة لنزع الألغام من طريق الملف الرئاسي» وفق ما أعلن النائب مروان حماده، فإنّ اقتران هذا المسار بـ «كاسحة ألغام» من فوق وفّرها موقف لودريان يشي من دون شك في أن هامشَ المناورةِ داخلياً يضيق أمام اللاعبين ولا سيما الذين يتريّثون في التخلي عن الورقة التي يَحْجزون معها موقعاً في معادلة «التوازن السلبي»، وتحديداً «حزب الله» الذي لم ينفكّ يعلن تَمَسُّكه بخيار سليمان فرنجية، رابطاً، وفق عارفين، أي بداية حديث عن «خطة ب» بكشْف الفريق الآخَر (المعارضة) مرشحّها في هذا السياق.
ورأت مَصادر سياسية أنه في ضوء تلويح لودريان بـ «عصا» العقوبات، قبل عودته المرتقبة إلى بيروت الشهر الطالع - الذي سيتسلّم فيه أيضاً مهماته في السعودية كرئيس «الوكالة الفرنسية في العلا»، فإن واحداً من مساريْن يفترض أن يرتسما في الأيام المقبلة:
- فإما يدفع رفْع السقف من مجموعة الخمس قوى «الممانعة» إلى شدّ الحبْل الرئاسي أكثر، بعد انضمام فرنسا إلى شركائها، هي التي كانت تحاول إدارة الأزمة الرئاسية بـ «المختصر المفيد» تارةً عبر طرح مقايضة بين فرنجية ورئيس حكومة قريب من المعارضة، وطوراً عبر حضّ الجميع على حوار تصرّ عليه «الممانعة» تمهيداً لجلسات انتخاب مفتوحة.
- وإما تتم قراءة ما أعلنه لودريان على أنه بمثابة بدء «مرحلة الجَدّ» رئاسياً تحت عنوان الخيار الثالث، وذلك بعد مناخاتٍ سادت كواليس الملف الرئاسي في الأيام الماضية عن أن «حزب الله» لم يكن يستشعر بأن ثمة غطاءً كافياً من الأطراف الوازنة في مجموعة الخمس ولا سيما واشنطن والرياض لهكذا مَسارٍ، بما يجعل الحزب يسلّم بمبدأ التخلي عن ترشيح فرنجية الذي سيسبّب له مَتاعب مع «التيار الوطني الحر»، بحال كان الاتجاهُ نحو قائد الجيش العماد جوزف عون الذي يقاربه التيار على أنه بمثابة «مقتل سياسي - شعبي» له.
وثمة تقديراتٌ، بأن الحزب بحال دقّتْ «ساعة القائد» سيجد طريقة لتظهير الأمر على أنه ليس «طعنة في الظهر» ولا إدارة ظهر لـ «التيار»، الذي خَسِرَ بالموقف الفرنسي الذي طوى واقعياً أي حظوظٍ لفرنجية ورقةَ مقايضةٍ مُهمة كان يعمل عليها مع «حزب الله»، ليصبح الحوار معه محكوماً بالخيار الثالث الذي ليس التيار فيه «بيضة قبّان» بمقدار ما كان موقعه في خيار فرنجية.
من هنا، تتساءل المصادر هل يكون قرْع الخماسية جَرَسَ الخيار الثالث علناً ورسمياً الإشارة التي ينتظرها «حزب الله»، ومن خلفه إيران، لملاقاتها بما يلزم وعلى رقعة الشطرنج الإقليمية، في الملف الرئاسي؟
وهل سيكون الدفع (في المرحلة المقبلة) في الكواليس نحو كشْف مجموعة الخمس أي مرشّح يحظى بثقتها ويمكن أن يكون عنوان عودة دعْمها للواقع اللبناني لـ «يُبنى على الشيء مقتضاه» من «الممانعة»، أم يُترك الأمر لقوى المعارضة؟ وأي صيغة قد توفّر «تَوازياً» في هذه التراجعات من طرفيْ الصراع؟ وهل يكون الحوار الذي أُحبطت مختلف نسخه «المخرج الشكلي» لتظهير التسوية أي «اتفاق الخاسرين» كما استعيد هذا التوصيف أمس؟ أم أن الاستحقاق الرئاسي مازال يتعيّن أن يعبر «ممرات شائكة» قبل الولادة القيصرية؟
واستوقف أوساطاً متابعة أمس موقفان:
- الأول لبري الذي أعلن وقْف مبادرته الحوارية التمهيدية لجلسات انتخاب مفتوحة والتي رفضتْها غالبية المعارضة ووضع لها «التيار الوطني الحر» شروطاً اعتُبرت على طريقة «لعم» وأكثر. وقد نُقل عنه نفيه أن يكون المسعى القطري محصوراً باسم واحد (في غمِز من قائد الجيش) بل هناك مجموعة أسماء يطرحها.
وعن كلام لودريان حول الخيار الثالث، قال «هذه قيمة الحوار ومن لديه بديل عن الحوار فليتفضل. أعطيناهم فرصة العمر ولم يتجاوبوا فليقلولوا لي أي رئيس جمهورية وصل من دون حوار»؟
وأضاف «مرشّحنا هو سليمان فرنجية وحتى الآن ما في خطة ب لدينا (...) ولن أدعو إلى أي جلسة إلا إذا كانت ذات جدوى. وجلسة غير مسبوقة بالحوار لا جدوى منها. مبادرتي مبنية على مدة أقصاها سبعة أيام، اذا وجدْنا بعد يومين ان لا تَوافُق نذهب مباشرة الى دورات مفتوحة. لكن تبين ان الكنيسة القريبة لا تهمهم. لكن إذا أشار لهم طرف خارجي بإصبعه لحضور الحوار يأتون متل الشاطرين».
- والثاني للزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي اعتبر أن رئيس مجلس النواب بذل أقصى جهده لإطلاق حوار رئاسي يفتح أبواب قصر بعبدا الموصدة، «لكن الشروط المستحيلة للقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر عطّلت مبادرته وأجهضت فرصة الحوار».
وتابع أنّ «الفيتو او التخبّط الخارجي الناتج من خلافاتأعضاء المجموعة الخماسية، أتى بدوره ليزيد الطين بلّة ويُفاقم التعقيدات، بدل أن تعطي هذه المجموعة زخماً لمساعي الحل وتمنحها قوة دفع إلى الأمام».
وإذ أشار إلى انّ أفق التسوية الرئاسية يبدو، وللأسف، مسدوداً حتى إشعار آخَر، عقب تعطيل مبادرة بري، قال عن البديل المحتمل «انا لا أملكه، ومَن يجب أن يُسأل عن البديل ويتحّمل المسؤولية هو من تعمّد أن يعطّل الحوار»، معتبراً «أنّ تمسك أحد أركان الثنائي الشيعي، وتحديداً حزب الله، بمرشح واحد هو غير مفيد أيضاً».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك