كتبت كارولين عاكوم في "الشرق الأوسط":
قد يسجّل بعض الانقسام في لبنان في إطار محدود، بين من يؤيد تورط لبنان في الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» وبين من يرفضها بشكل قاطع، لكن يبقى المؤكد بالنسبة إلى الجميع وعلى مختلف المستويات أن لبنان غير قادر في هذه المرحلة على تحمّل تداعيات أي حرب إذا وقعت، على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والأهم الاستشفائية.
وإضافة إلى الأسباب السياسية القديمة الجديدة التي يرفعها معارضو «حزب الله» الذين يرفضون توريط لبنان في المعركة، والمرتبطة بشكل أساسي بقرار الحرب والسلم الذي يفترض أن يكون بيد الدولة، يؤكد هؤلاء أن أي حرب في هذه المرحلة التي يعاني فيها لبنان أزمات متفاقمة، ستقضي عليه بل ستدمّره بشكل كامل.
من هنا يحاول المسؤولون استدراك أي مفاجأة في هذا الإطار عبر الدعوات لاجتماعات وزارية وأمنية واستشفائية، لكن الواقع على الأرض يؤكد صعوبة الوضع على مختلف الصعد. وبعدما كان قد دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الوزراء إلى اجتماع «لعرض المستجدات الراهنة في ظلّ تطوّر الأوضاع على الصعد كافةً» وفق ما جاء في الدعوة، عُقد الأربعاء اجتماع بين وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال ونقيب المستشفيات سليمان هارون للبحث في الوضع الاستشفائي، على أن يُعقد اجتماع «صحي - استشفائي شامل» أيضا يوم الاثنين، دعا إليه رئيس لجنة الصحة النيابية النائب بلال عبد الله للبحث في الوضع الصحي بشكل عام ومدى استعداد القطاع الطبي والمستشفيات للتعامل مع الحرب إذا وقعت.
واقع طبي صعب
في هذا الإطار أشار عبد الله إلى أن الاجتماع سيحضره كل الأفرقاء المعنيين بالوضع الصحي، من نقابات الأطباء والممرضين والمستلزمات الصحية وغيرها، واصفاً الوضع بـ«الصعب». ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بالتأكيد لسنا جاهزين لأي حرب ولا نملك القدرة نفسها التي كنا عليها في عام 2006 في (حرب تموز)»، مضيفاً «نحن في مرحلة أصبحت فيها المستشفيات تطلب الدفع بالدولار الأميركي ولا تستقبل أي مريض إذا لم تكن تعلم مسبقاً كيف ستكون عليه عملية الدفع، في حين لا تزال فيه الجهات الضامنة تدفع وفق سعر صرف الدولار على 8 آلاف ليرة أو الـ1500 ليرة، وكل المستلزمات الطبية وغيرها تدفع بالدولار الأميركي»، علما بأن سعر الصرف اليوم وصل إلى 89 ألف ليرة في السوق السوداء.
ويعطي عبد الله مثالاً على صعوبة الوضع بالقول: «ثمن كيس الدم الذي يعد من أكثر المستلزمات التي تستخدم في الحرب يبلغ 50 دولاراً أميركياً»، مضيفاً «في السابق كانت وزارة الصحة تسارع للتكفل بعلاج المصابين في الحرب. اليوم هذه الوزارة لا تملك اعتمادات لدفعها وهي بالكاد تسدد المستحقات الأساسية المطلوبة منها». وعن المساعدات التي يمكن أن تأتي من الخارج، يقول عبد الله: «منذ سنتين ونحن نطلب وندعو الدول لمساعدتنا في تأمين أدوية مرضى السرطان والأمراض المستعصية دون فائدة».
مقومات الصمود
كذلك، يعد مدير معهد «الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية» الدكتور سامي نادر، أن الحرب ستكون مدمرة على لبنان الذي لا يملك اليوم أي مقومات لتحمل تداعياتها. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «في عام 2006 كان الوضع أفضل بكثير وكانت النتائج كارثية، وأخذت سنوات عدّة للخروج منها وخرجنا بجناح مكسور، علما أنه حينها كان هناك من يساعد لبنان والوضع الاقتصادي كان أفضل وكانت الليرة محافظة على قيمتها ولم ندخل في مرحلة الانهيار المالي ولا الشلل المؤسساتي، حيث معظم المؤسسات شبه مشلولة والبعض القليل منها يعمل مثل الأجهزة الأمنية التي سيزيد عليها الضغط بشكل كبير».
يُذكر أنه قتل خلال «حرب تموز» 1191 شخصا معظمهم من المدنيين، فيما هجّر حوالي مليون شخص من منازلهم وتم تدمير 15 ألف منزل و900 معمل، إضافة إلى تدمير طرق وجسور وأجزاء من مطار بيروت الدولي، وقد قدرت الخسائر المادية حينها بـ3.5 مليار دولار أميركي، منها ملياران للمباني، و1.5 مليار للبنى التحتية.
ويتطرق نادر إلى أزمة اللاجئين السوريين في لبنان التي تشكل، وفق وصفه، قنبلة جديدة إضافة إلى القنبلة الاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن الأزمات في لبنان، وقد تكون أكبر منها، وهذه كلها عوامل لم تكن موجودة في (حرب تموز) 2006.
كذلك يتوقف نادر عند الانقسام السياسي الحاد الذي من شأن أي حرب محتملة أن تعمقه بشكل أكبر، وهذا سينعكس سلباً على المجتمع في لبنان، لا سيما أن هناك من لا يزال يقف خلف «حزب الله» في قرار الحرب والسلم في حين يرفض البعض الآخر الدخول في هذه المغامرة.
حرب ونازحون
وما يتحدث عنه نادر، تعكسه المواقف المنقسمة في لبنان والتي تتعدى النقاش حول رفض الحرب وتأييدها، إلى مرحلة رفض استقبال النازحين من الجنوب أو المناطق التي تعد محسوبة على «حزب الله». مع العلم أن هذه المناطق وإن تحسب على الحزب، تشهد انقساماً في مقاربة أي حرب محتملة، وهو ما تعكسه المواقف على وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، وتحديداً بعد المواجهات بين «حزب الله» والإسرائيليين عند الحدود الجنوبية، حيث ينتشر وسم «لبنان_لا_يريد_ الحرب»، مقابل مواقف واضحة بدعمها لأي قرار يتّخذه الحزب في هذه المواجهة.
حتى أن البعض أعلن صراحة رفضه استقبال أهل الجنوب على غرار ما حصل في «حرب تموز» عام 2006، لكن في المقابل كانت دعوات وردود فعل تؤكد أهمية عدم التعامل مع أهل الجنوب على أنهم جميعاً محسوبون على الحزب، وأعلن البعض الآخر ترحيبهم بكل من يريد ملجأ للهروب من الحرب، مؤكدين أن منازلهم مفتوحة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك