كتب سعد الياس في "القدس العربي":
فيما تستمر المواجهات في جنوب لبنان ويبقى القلق مسيطراً من تدحرج الوضع إلى حرب في ظل النوايا الإسرائيلية المبيّتة ضد حزب الله، يعقد مجلس الأمن الدولي الأربعاء المقبل في 22 تشرين الثاني/نوفمبر جلسة حول الوضع اللبناني ومدى الالتزام بتطبيق القرار الدولي الرقم 1701. واستباقاً لهذه الجلسة جالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة يوانا فرونتسكا على رئيسي مجلس النواب والحكومة نبيه بري ونجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون وعدد من القيادات اللبنانية للبحث في الوضع على الحدود اللبنانية الجنوبية في ضوء المواجهات الحاصلة بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي التي تنتهك بشكل يومي القرار 1701 وتهدد بجعله ضحية أي توسّع للتطورات الميدانية. كذلك كانت جولة مماثلة للقائد العام لقوات «اليونيفيل» الجنرال أرولدو لاثارو للتحذير من مغبة توسيع العمليات الميدانية وخرقها للقرار الدولي.
ولن يكون تقييم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في جلسة 22 تشرين الأول/اكتوبر لتطبيق القرار 1701 أمام أعضاء مجلس الأمن مختلفاً عن تقييمه السابق، وهو إن كان سيتحدث عن خرق إسرائيل المجال الجوي اللبناني وتنفيذها غارات وقصفاً مدفعياً وانتهاكها للسيادة اللبنانية ومفاعيل القرار 1701 وتسببها بإشعال فتيل التوتر على الحدود أكثر من مرة من خلال أشغال البناء والهندسة، إلا أنه سيضيء بوضوح على انتهاكات قام بها حزب الله وعن ظهور أسلحة غير مأذون بها في المنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني وعن إطلاق صواريخ من لبنان في اتجاه الجليل إضافة إلى حديثه عن جمعية «أخضر بلا حدود» التابعة للحزب وأبراجها للمراقبة والانفاق التي تخترق الخط الأزرق والخيمتين في مزارع شبعا، وكيف أنه لم يتم إحراز أي تقدم في مسألة نزع سلاح الجماعات المسلحة جنوب نهر الليطاني حيث لا يزال يتعرف حزب الله علناً بأن لديه قدرات عسكرية خارجة عن نطاق سيطرة الدولة في انتهاك القرار 1701 ما يعوق قدرة الدولة اللبنانية على ممارسة كامل سيادتها وسلطتها على أراضيها، مذكّراً بمناورة عرمتى التي استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة وسبقت اندلاع المواجهات مع القوات الإسرائيلية.
خيار لبنان هو السلام وليس الحرب
ويأتي انعقاد مجلس الأمن على وقع التهديدات الإسرائيلية التي تُطلق من حين إلى آخر ضد حزب الله والتي يُخشى من أن تترجم عملياً بتوجيه ضربة للحزب في حال نجحت إسرائيل من بسط سيطرتها في غزة ومن نقل نموذج التدمير الممنهج في القطاع إلى لبنان مستفيدة من الدعم الدولي. ومن المعلوم أن ما يكبح جماح إسرائيل لغاية الآن هو تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وقطر من أجل تحييد الساحة اللبنانية عن الحرب بناء على اتصالات يجريها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي يؤكد كما أغلبية اللبنانيين أن خيار لبنان هو السلام وليس الحرب. ولكن هل ترتدع إسرائيل أم تنجح في استدراج حزب الله إلى ارتكاب خطأ تليه مواجهة غير محسوبة النتائج خصوصاً في ضوء التقارير عن اجتماع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بسكان المستوطنات الشمالية الذين أبلغوه عدم عودتهم إلى بيوتهم إذا لم يضمنوا عدم رؤية عناصر حزب الله وعدم إبعاد قوة الرضوان عن الحدود. ونُقل عن سكان المستوطنات قولهم لنتنياهو إنهم «لن يعودوا حتى لو توقف إطلاق النار ولم يعد مجدياً القول لحزب الله لا تختبر إسرائيل فيما الصواريخ والمسيّرات تستهدفنا وتحلّق فوقنا».
من هنا، تكبر المخاوف من انزلاق الوضع في جنوب لبنان على الرغم من محاولات الطمأنة بعدم رغبة إيران وحزب الله بالدخول في حرب، فإذا لم تنجح إسرائيل في استعادة هيبتها في حرب غزة وشعرت بالحاجة إلى توجيه ضربة لحزب الله الذي يشكل العمود الفقري لمحور الممانعة، عندها ستصبح كل الاحتمالات مفتوحة بهدف تغيير الواقع على الجبهة الشمالية. وقد تدفع الضغوط الداخلية على نتنياهو والمطالبة بتنحيته إلى أن يتخذ قراراً بإشعال الجبهة اللبنانية رغم إدراكه أن الأمر لن يكون نزهة، لكنه سيراهن على فرصة وجود الأساطيل والبوارج الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط التي لن تتكرر والتي لن تسمح في اعتقاده لحزب الله باستخدام مريح لترسانته الصاروخية ضد المواقع الحساسة في الداخل الإسرائيلي.
وبناء على هذه التوقعات، تكتسب التحذيرات الغربية للبنان بُعداً جديداً ويتم التركيز على أهمية الالتزام بالقرار 1701 الذي أوقف العمليات الحربية لأن سقوط هذا القرار نتيجة الانتهاكات المتتالية سيعني سقوطاً لآخر المندرجات التي تحمي البلد. ولم يتأخر البعض في لبنان في التمني على حزب الله التراجع خطوة إلى الوراء وتجنيب البلد أي مغامرة خصوصاً أن إسرائيل المأزومة بعد عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول/أكتوبر ترفض الهزيمة وعينُها حالياً حمراء، ويبقى أفضل المخارج لتجنيب لبنان التورط في الحرب هو تسليم السلطة في الجنوب للجيش اللبناني ولقوات «اليونيفيل» وإلا لن يكون هناك معنى للقرار 1701 الذي سيتحوّل عندها إلى حبر على الورق ويضع البلاد على حافة الهاوية في ظل انقسام وطني لبناني حول خيارات حزب الله وتفرّده بقرار الحرب والسلم من دون الوقوف على رأي أي من المكوّنات اللبنانية الأخرى، وما تجربة حرب تموز/يوليو عام 2006 إلا الدليل على كيفية تصرف الحزب بعد انتهاء الحرب متجاهلاً موقف الحكومة اللبنانية خلال المفاوضات لعدم صدور القرار 1701 تحت الفصل السابع ومتنكراً للنقاط السبع التي أقرها مجلس الوزراء بإجماع الوزراء بمن فيهم وزراء الحزب، وذهابه أكثر من ذلك حد اتهام رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة بإطالة أمد الحرب للتهرب من مسؤولية الكارثة التي نجمت عن حرب تموز على أهالي الجنوب والضاحية.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك