كتبت آمال خليل في "الأخبار":
في الباحة بين اتحاد بلديات قضاء صور ومهنية صور الرسمية، يجلس علي ومعاذ في ظل شجرة. لا خيارات كثيرة أمام النازحيْن الصغيريْن سوى الباحة لتمرير الوقت، مع دخولهما شهرهما الثالث هنا، في أحد مراكز الإيواء التي خصّصتها لجنة إدارة الكوارث في الاتحاد للنازحين منذ بداية العدوان الإسرائيلي على الجنوب. ثقل الوقت أقلّ على علي من صديقه، إذ إن جنسيته اللبنانية سمحت له بالالتحاق بإحدى المدارس الرسمية في ضواحي صور، تعويضاً عن إقفال مدرسته الرسمية في بلدته رامية. يذهب إلى المدرسة صباحاً ويلهو مع رفاقه مساء. أما معاذ، فقد منعته جنسيته السورية من الالتحاق بأي مدرسة. في بنت جبيل حيث كان يقيم مع عائلته قبل النزوح، كان يدرس في مدرسة رسمية بدوام مسائي، فيما إخوته الصغار كانوا مسجّلين ضمن الدوام الصباحي. وجميعهم، «لم يُسمح لنا بالالتحاق بأي مدرسة» بحسب معاذ.في منزلها الجديد في إحدى غرف المهنية، تحاول روان فرج (17 عاماً) الدراسة عبر هاتفها تعويضاً عن إقفال مهنية عيتا الشعب الرسمية حيث تدرس اختصاص التربية الحضانية في السنة الثانية. هي وأبناء خالها صاروا طلاباً محرومين من الدراسة، رغم أنهم يقيمون في الطبقة السفلية لمهنية صور. بعد افتتاح العام الدراسي المهني، سُمح لهم بحضور الصفوف، كلّ ضمن اختصاصه. وبعد أسبوع، قررت وزارة التربية والتعليم العالي أن يتابع طلاب المدارس الحدودية المقفلة المنهاج عبر التعليم عن بعد. تقول فرج إن كثيراً من زملائها لا يتمكّنون من الدراسة عن بعد في ظروف النزوح الحالية، بسبب الغرف المزدحمة بالعائلات والقدرات المالية المحدودة التي تحول دون تشريج الهواتف بالإنترنت...
ضاق «خلق» فرج ولا سيما مع توافد موجة جديدة من النزوح إلى مهنية صور التي تشكل وجهة أولى للنازحين لمجاورتها لمقر لجنة إدارة الكوارث ومستودع الإعاشات والفرش والأغطية. والدتها نوال سرور استغلّت أيام الهدنة لتتزود من منزلها في عيتا الشعب بثياب الشتاء. فهي عندما نزحت من منزلها في التاسع من تشرين الأول الماضي، حملت حقيبة صغيرة لها ولعائلتها. «لم أتوقع أن تطول الحرب لأكثر شهرين. عدوان تموز على قسوته لم يدم سوى شهر واحد». يزداد الضغط النفسي على النازحين يوماً بعد يوم بغياب أفق لانتهاء العدوان. «في أيام السلم، إمكاناتنا محدودة، فكيف في النزوح وتعطّل الأشغال وفقدان المداخيل؟ الجمعيات تؤمّن لنا الأغراض والطعام. لكننا لا نريد سوى بدلات إيجار لنستأجر شققاً مستقلة. العيشة في المدرسة لا تُحتمل لوقت طويل».
تتواسى روان بصديقاتها النازحات. دارين صارت صديقتها المقرّبة. الأخيرة من عيتا الشعب أيضاً، لكنها تعرفت إليها هنا في صور. يمضين الوقت في حضور جلسات توعية وترفيه تنظمها بعض الجمعيات، «لكن لا شيء يعوّض عن المنزل والخصوصية».
أمام مستودع المساعدات، يزدحم ناشطون وممثلو جمعيات ونازحون. كميات من الفرش والأغطية تُنقل إلى الشقق التي استأجرها نازحون في ضواحي صور. لكن المتوقع أن يضطر بعضهم لترك المؤجّر والعودة إلى مراكز الإيواء المجانية بعد نفاد مدّخراتهم المالية، فيما تقول لجنة إدارة الكوارث إنها أعدّت خطة جديدة لاستيعاب النازحين الجدد.
العدد المُسجّل لدى اللجنة حتى مساء أمس (قضاء صور) بلغ 18 ألفاً و555 نازحاً (بينهم 268 سورياً)، يتوزعون على خمسة مراكز إيواء. وكانت اللجنة قد افتتحت مركز الإيواء الخامس بعد استئناف العدوان وتعمل على تجهيز مركز سادس لاستيعاب الأعداد التي تزداد بعد أن عمد العدو الإسرائيلي، أخيراً، إلى قصف منازل في وسط البلدات كبيت ليف والجبين وعيناثا وبنت جبيل. وفي المراكز الخمسة، بدأت اللجنة بتقسيم كل صف - غرفة إلى قسمين لتوفير غرف جديدة للوافدين. أما على مستوى لبنان، فقد تضاعف عدد النازحين بين مطلع تشرين الثاني الماضي وبداية الشهر الجاري، من 25 ألف نازح إلى 55 ألفاً توزّعوا بين صور والنبطية والزهراني وجزين وحاصبيا وبيروت والضاحية وعاليه والبقاع.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك