تمكّن الرئيس سعد الحريري في إطلالته التلفزيونية مساء أمس، الاولى منذ استقالته، وبفضل مواقفه المرنة والهادئة، من "إحراج" من أطلقوا النار مسبقا على ما ستتضمّنه مقابلته، على اعتبار انه "في الاقامة الجبرية وما يقوله لا يمكن الاعتداد به"، فدفعهم عبر لهجته "المتّزنة" ليس فقط الى التراجع عن فكرة أنه "مخطوف ومغلوب على أمره"، بل هم ذهبوا الى حدّ البناء على كلام الحريري، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، فكان أن أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اليوم أن "تصريحات الأخير تظهر أن التسوية السياسية التي تدعم الحكومة الائتلافية قائمة"، معتبرا أيضا ان "تلميحه باحتمال عدوله عن الاستقالة إيجابي"، في حين رأى رئيس مجلس النواب نبيه بري ان "العدول عن الاستقالة فيه عدالة".
مقابلةُ الحريري بحسب المصادر، اختلفت من حيث "لهجتها" و"الأدبيات" عن بيان استقالته. إلا ان ما جاء في الحوار من حيث "المضمون" لم يختلف قيد أنملة عما جاء في نصّ الاستقالة، وما قاله الرّجل منذ أسبوع، بنبرة عالية، عاد وأكّد عليه امس بهدوء، حاملا على تدخّلات حزب الله في الميادين العربية ولا سيما في اليمن وعارضا للاخطار التي تجرّها هذه الممارسات على لبنان واللبنانيين. أما الذي تغيّر، فهو ان الحريري، وبعد الصدمة التي أراد خلقها في الداخل بسقفه "غير المعهود"، والتي أراد إفهام الجميع من خلالها ان "مش ماشي الحال"- وقد نجح في ذلك- انتقل الى المرحلة الجديدة من خطّته لتصويب المسار داخليا، فتحدّث أمس بلسان "رجل الدولة" طارحا خطوات عمليّة للخروج من الازمة الحاصلة، واضعا "النأي بالنفس" عن صراعات المنطقة وبالتالي انسحاب "حزب الله" من أزماتها، شرطا أوّل لاحياء التسوية السياسية.
وتعقيبا، تقول المصادر ان وقعَ طرح "التسوية" مجددا لم يكن ذاته على الاطراف المحليين، حيث اعتبره بعضهم "تراجعا" وبعضهم الآخر "حكمة"، الا انها تُذكّر بأن لبنان لا يُحكم الا بالتسويات والحوارات، مشيرة الى ان القوى الدولية والاقليمية كلّها، تدرك هذه الحقيقة. في المقابل، تقر المصادر بأن أبصار التسوية النور هذه المرة، لن يكون سهلا. فالحريري قد يكون طرح "المستحيل"، على اعتبار أن عودة "الحزب" من الخارج لن تحصل بين ليلة وضحاها. والمرجّح، وفق المصادر، ان تكون خطوة الحريري مقصودة وهدفها تهدئة الامور في المرحلة الراهنة، فيبقى هو على رأس حكومة تصريف أعمال حتى إجراء الانتخابات النيابية التي على أساسها يعاد رسم الصورة السياسية في الداخل ويكون في الوقت ذاته اتّضح المشهد في المنطقة. وفي الموازاة، يطلق الحريري مفاوضات مكثّفة مع رئيس الجمهورية ورئيس المجلس ومع حلفائه السياسيين، للتوصل الى "تسوية" جديدة، بشروط جديدة هذه المرة، يكون في صلبها التزام كافة الاطراف اللبنانيين بسياسة النأي بالنفس. وهنا، تضيف المصادر، سيتعين على الرئيس عون لعب دور محوري ومصيري. فـ"حزب الله" حليف أساسي له واذا لم يُقنعه بالانسحاب من سوريا واليمن والكويت والبحرين(...)، لن يتمكّن بعد اليوم- وفي ضوء المواقف السعودية التصعيدية- من تشكيل اي حكومة جديدة، وبالتالي يكون كتب وثيقة "وفاة" عهده، بنفسه. فهل هو في هذا الوارد؟
وفي وقت تشير الى ان "كثيرين في الداخل يرون ان "من جرّب المجرّب كان عقلو مخرّب" وأن "التسويات وأنصاف الحلول لم تعد تنفع خصوصا مع فريق يعمل لأجندة اقليمية"، تقول المصادر ان "استقالة الحريري أشّرت الى مرحلة سياسية جديدة، وبالتالي من استسهل الخروج عن التسوية في المرة الاولى، سيتعين عليه التفكير مرتين قبل كسرها مجددا، في ظل تبدل موازين القوى اقليميا ودوليا و"الطحشة" الاميركية - السعودية على ايران وأذرعها في المنطقة".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك