كتبتُ، في 30 تشرين الأول 2014، رسالةً الى رئيس تكتل التغيير والإصلاح آنذاك العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانيّة سمير جعجع، أعرض فيها لواقع المسيحيّين والبلد، وكان قد مرّ حينها 159 يوماً على الفراغ الرئاسي.
ما هي إلا أشهر قليلة، بعد كتابة الرسالة، حتى خطا الرجلان خطوات مهمّة نحو سلام بينهما، وبين حزبَيهما، كتبنا عنه مراراً وواكبناه بترحيبٍ وأمل. وفي 31 تشرين الأول 2016، أي بعد سنتين، انتُخب ميشال عون رئيساً، كواحدٍ من نتائج الاتفاق. إلا أنّ ما حصل، في الأشهر الأخيرة، أعادنا سنوات الى الوراء، لكأنّ لا اتفاق تمّ ولا صفحة طُويت ولا قلوب غُسلت.
لن ندخل في تفاصيل تحديد المسؤوليّات. الصخب الحاصل في التصريحات والمواقف والبيانات، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، أعلى من أن يتيح سماع صوت العقل والمنطق. لذلك، فلنخاطب الضمائر، إن سلّمنا، انطلاقاً من النيّة الحسنة، بوجودها.
لم يرتقِ الاتفاق بين التيّار الوطني الحر والقوات اللبنانيّة الى مستوى تحسين واقع المسيحيّين، وهو متأزّم، في الإدارات والأجهزة الأمنيّة وفي مختلف الفئات الوظيفيّة. مع وصول عون الى الرئاسة، ومشاركة الوزير جبران باسيل له كرئيس ظلّ، باتت تُستردّ حقوق المسيحيّين عبر توظيف المقرّبين والحزبيّين، وكأنّ لا كفاءة إلا بينهم. تصرّف البعض كموظف براتب مليون ليرة ربح جائزة يانصيب بمليارَين، وظلّ مصرّاً على عدم التنازل عن راتبه لموظّف آخر. عقلٌ مسيحي لا يقبل الشراكة، وله أمثلة كثيرة في التاريخ.
في المقابل، أراد حزب "القوات" شراكةً متساوية في غنائم الرئاسة، وزراء وتعيينات، مع استبعادٍ للآخرين. اثنان يختصران جميع المسيحيّين، وهذا خطأ بل خطيئة.
لم يبلغ الفريقان، "التيّار" و"القوات"، مرتبة ملامسة الواقع المرير الذي عانى منه المسيحيّون طيلة عقدين ونصف، ولأسبابٍ كثيرة. كان هذا الاتفاق فرصةً، لا لوحدةٍ مسيحيّة في الشكل، بل لنهضةٍ لبنانيّة لن تكون ما دام المسيحيّون ضعفاء، منقسمين، كما عادوا اليوم.
كنّا ننتظر من هذا التفاهم أن يكون تأسيسيّاً، يتخطّى "القسمة" بين فريقيَه، الى ما هو أعمق ووجودي، خصوصاً بالنسبة الى المسيحيّين. فالخطير أن يعتقد مسيحيّو لبنان بأنّ استمرار حضورهم فيه أمر ثابت نهائيّ، مهما تقلّبت الظروف أو ساءت ومهما كثرت المخاطر والأخطاء. والأخطر أن يعتقد مسيحيّو لبنان بأنّ زوال المسيحيّين في لبنان أمر يمكن التعايش معه أو العيش بعده.
فالوهم الكبير عند مسيحيّي لبنان أنّ روحاً قدساً ما ميّزهم عن الجماعات المسيحيّة الشرقيّة الأخرى التي انقرضت أو تكاد، فغفا عن هؤلاء ليسهر دوماً علينا. والوهم الكبير عند بعض مسيحيّي العالم أنّ مسيحيّي لبنان تماماً مثل تلك الجماعات البائدة يحضرون معاً من دون فائدة ويزولون معاً من دون ضرر.
انتظرنا من ميشال عون، ثمّ من جبران باسيل، وسمير جعجع أكثر بكثير، فكانت خيبتنا عظيمة.
انكسرت جرّة الاتفاق، ولحمها بات عصيّاً، وضاع الأمل الكبير في التفاصيل الصغيرة، ونكاد نقول السخيفة.
يبدو لبنان اليوم أشبه بالباخرة المثقوبة التي تهدّد بالغرق جميع من على متنها. يحصل ذلك، بينما ينقسم المسيحيّون الى فريقين، مع باخرة الكهرباء أو ضدّها...
عبثاً ننتظر غيرَ الغرق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك