في تمام الساعة التاسعة مساءً، يفترش "علي" الرصيف ويغفو في "سابع نومة". يفشل flash الكاميرا في إيقاظه من نومٍ عميقٍ لجأ إليه هارباً من مرارة واقعه. يغطّيه لحافٌ من برد التشرّد القارس... ولو حتى في منتصف أيلول. بين أغراضه المبعثرة على الأرض، عبوة ماء. رصيف يأويه وماء يرويه: هذا ما لا يخفيه "علي". لكن ماذا تخبّئ حكاية هذا الرجل المسنّ؟
يروي منصور مخلوف، وهو صاحب أحد المطاعم في منطقة "الصيفي"، قصّة "علي" كما عايشها سكّان وكلّ من يعمل في هذه المنطقة، فيقول: "علي عراقي الجنسيّة، ويأخذ من شوارع الصيفي منزلاً له، في الليل والنهار، صيفاً وشتاءً. لا أحد يعرف عائلته أو ماضيه أو ما قاده إلى الشارع البائس".
يلفت مخلوف إلى أنّ سكان المنطقة ومن يعملون فيها، ساعدوا "علي"، بمبادرات فرديّة وبالتعاون مع جمعيّات، لإدخاله إلى مأوى بإرادته الكاملة. مكث "علي" في المأوى لأشهر عدّة، ثمّ هرب منه عائداً إلى حضن الشارع. وتكرّر هذا الأمر لثلاث مرّات.
يكشف مخلوف أنّ "سبب هروب علي المتكرّرهو عدم السماح له بشرب الكحول في المأوى. ففضّل التسوّل في الشوارع للحصول على المال الكافي لشراء الكحول، على أن يكون في المأوى معزّزاً مكرّماً".
لا يبدي سكّان المحلة أيّ إنزعاج من حضور "علي"، إلاّ عندما يطلب الكحول. حيث يكون سلوكه عدائيّاً وسلبيّاً في حال لم يلبَّ طلبه.
للأسف كم نرى في الشوارع والأزقّة أمثال "علي". ودولتنا الكريمة لا تأبه بهؤلاء، فلا تؤمّن لهم المأوى أو فرص العمل أو الطبابة والاستشفاء. وهذه أبسط حقوق البشر على السلطات الحاكمة. وحبّذا لو نعمل بمقولة "إرحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك