أدّت سلسلة الحوادث التي وقعت في حرم مطار رفيق الحريري الدولي، التقنية منها، اذا كانت فعلا حادثة تعطل جهاز نظام الاتصالات وتَوقُّف تفتيش الركاب متصلة بعطل تقني، اذ تستمر التحقيقيات فيها حتى الساعة، والامنية والسياسية، الى تشريع الباب على ملف أمني بالغ الحساسية تتداخل فيه السياسة بالطائفية والحزبية وتعدد الولاءات وتداخل الصلاحيات وتدخّل المرجعيات في مرفق يشكل واجهة لبنان، بما بات يتطلب
معالجة جذرية بعيدا من وطأة الضغوط السياسية المتبادلة، لا سيما بعدما انفجر صراع الاجهزة الامنية والعسكرية في وجه مسافرين يهمون بمغادرة لبنان معظمهم من الفئة الشابة المصابة باليأس والاحباط جراء سوء احوال البلاد، ولم يكن ينقصها سوى ان تعاين بأم العين اشكالا حيا بين جهازي أمن المطار والتفتيشات في قوى الامن الداخلي ليسقط لديهم ما تبقّى من هيبة الدولة المهترئة والغائصة في بحر خلافات مزمنة على تقاسم الحصص والمغانم.
واذا كانت جرعة المخدر التي ضخها السياسيون وتحديدا وزير الداخلية نهاد المشنوق في عروق المرفق الجوي اللبناني من خلال تطويق حادثة 26 ايلول باتصالات اجراها سريعا مع المرجعيات المسؤولة عن الجهازين أشاحت النظر نسبيا عما حصل، خصوصا ان الكمّ الهائل من الازمات المتناسلة التي تعبق بها الساحة المحلية تجعل اللبنانيين ينسون سريعا اي حادثة لمجرد حصول اخرى، فإن محاولة التعمية على جوهر الخلاف حول قضية خطرة وحساسة ولها تأثيراتها المباشرة على الوضع اللبناني عموما، ليست ذات جدوى بل تحتاج من دون ريب الى علاج فوري بعيدا من سياسة المُسكنات اليومية، كما تفيد مصادر مطلعة على اوضاع المطار عن كثب "المركزية"، اذ ان الاشكال الذي أدى الى انسحاب عناصر التفتيشات وتوقف حركة دخول المسافرين قد يتكرر في اي لحظة اذا لم يعمد المعنيون الى سحب فتيل التشنج الممتد بين الاجهزة الامنية المتواجدة هناك وسط تداخل في الصلاحيات وغياب التنسيق والتراتبية وتوزيع المسؤوليات، اذ كيف يُعقل ان يكون جهاز أمن المطار الذي تردد ان كانت لديه معلومات عن سفر شخص ارهابي مشتبه به عبر المطار فوضع عنصرين عند نقطتي الحراسة والتفتيش للايقاع به، اقدم على خطوته هذه من دون تنسيق مع قيادة قوى الامن، اذا صحت الرواية، وهو دليل الى غياب التواصل الضروري بين الجهازين، علما ان روايات اخرى اشارت الى أن عناصر جهاز أمن المطار وقفوا قرب عناصر التفتيشات في قوى الامن ما أدى الى استفزاز هؤلاء فهمّوا بالانسحاب، او ان الاشكال وقع على خلفية ما اشار اليه قائد سرية المطار العقيد بلال الحجار في كتاب ارسله الى قائد جهاز أمن المطار العميد جورج ضومط عن قيام عناصر من الجهاز بتصوير عناصر قوى الامن أثناء قيامهم بخدمتهم مطالبا بعدم القيام بهذا الامر.
في مطلق الاحوال، توضح المصادر ان في ضوء ما جرى بات لزاما على المعنيين حصر امن المطار بسلطة واحدة تكون لها الكلمة الفصل في اي قرار امني، وتضع حدا لـ"القلوب المليانة" بين مسؤولي الاجهزة التي انفجرت وجها لوجه على مرأى بعض الزوار. وتشير الى ان اخطر ما في الامر انه يحصل في ظل فراغ حكومي ومجلس وزراء معطل، غير قادر على اتخاذ اجراءات ردعية، في حق اي مسؤول اخطأ.
وتلفت المصادر الى محاولة تبذلها جهة أمنية لإقحام نفسها في المطار لا ترى فيها جهة مقابلة أي فائدة، إذ تؤكد أن الامن مضبوط بالكامل في حرم المطار من خلال كتيبة الحراسة والمدافعة التي تخضع لدورات تدريبية على أعلى المستويات في دول اوروبية من بينها فرنسا وبريطانيا، وجاهزة للتدخل عند اي اشكال امني على مدار الساعة، فما الهدف من طروحات مشابهة، سبق ان رفضتها اعلى المرجعيات الامنية؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك