ينكبُ وينغمسُ رجال السياسة اليوم على استخراج ميزانية تتلاءمُ والوضع الاقتصادي والمالي المُتعثر الذي يعيشه لبنان, والذي نتجَ عن سياسات اقتصادية مُتهورة وغير مسؤولة طيلة السنوات الثلاثين المُنصرمة. الصحوة جاءت مُتأخرة, والإصلاح المنشود لا يُمكن وصفه بحالة من الوعي والرُشد والاستيقاظ بعد غفوة وتعثر كلفوا لبنان وشعبه ولأجيال قادمة الكثير. الخطة الإصلاحية طموحة كما تابعنا بعض محاورها وعناوينها. مُكافحة الفساد والتجاوزات وانتظام عمل المؤسسات عمودها الفقري. إغلاق وضبط منافذ الهدر إحدى ركائزها ومُنطلقاتها وأهدافها.
عناوين جذابة ومُغرية تمنح اللبناني بعض الأمل المفقود الذي يبحثُ عنه ويحتاجه منذ عشرات السنين. إنما الأزمة على ما يبدو أعمق وأخطر من المشهد الظاهر حتى الآن, بل يتعداه ليطال الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمواطن. إذ كيف من الممكن تجميد الوظائف في القطاع العام وهناك عشرات الآلاف من الخريجين سنوياً يحتاجون الى فرص عمل؟
جرت العادة أن تستوعب الدولة نسبة ليست بقليلة منهم كل عام. كيف يُمكن أن تُحجَب فرص العمل في القطاع العام دون تقديم أية حوافز واغراءات مُشجعةٍ للقطاع الخاص ودون أي خطة طموحة ترتكز على التوسع والاستثمار لتعويض الخلل الذي سينتج عن هكذا قرارات وتوجهات؟. هذا يعني أننا دخلنا في أزمة بطالة واسعة قد تطال كل عائلة في المستقبل القريب.. كيف تنظر الدولة للقطاعات المُنتجة؟ وما هي رؤيتها لتعزيز صادراتها في ظل عدم التوازن الحاصل مع وارداتها؟ وماذا عن شح التحويلات من الخارج؟ هناك ما يُقارب ثمانية مليارات دولارات تحويلات من اللبنانيين المغتربين في الخارج, اليوم تضاءلت الى النصف وربما أكثر. ماذا عن إرشاد التعليم وتوجيهه؟ وهل أصبح قدر اللبناني أن يتعلم ليعمل بعدها بوظيفة لا تليق باختصاصه وبما يطمح ويستحق؟. أسئلة كثيرة تدور في أذهاننا, نحتاج الى أجوبة واضحة لنطمئن على أننا نسير على سكة الاصلاح الصحيح وأن الحكومة لا تعمل فقط وفق حاجات أهل السياسة لتمرير مرحلة حرجة قد تنال من مكتسباتها.
كالعادة, يأتينا الوعي متأخراً وبكلفة عالية رغم علمنا جميعاً بأن ضغوطاً خارجية دولية خلف هذه الوعي وهذه الإصلاحات. لكن لا بأس بذلك, برغم ظروفها قد تكون مُفيدة في زمن الخسائر المُتلاحقة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك