نصّت الفقرة الأولى من المادة 60 من مشروع الموازنة على ما يلي:
"خلافاً لأي نص آخر تخضع موازنات المؤسسات العامة وتعديلاتها والحسابات المالية لمصادقة وزارة المالية على أن تقوم بإيداع وزارة المالية في مهلة أقصاها نهاية شهر أيار من السنة التي تسبق سنة الموازنة مشروع موازنتها وحساباتها الختامية مشفوعةً بكافة المستندات التبريرية والإحصاءات والإيضاحات المطلوبة والمرتبطة بنفقاتها وإيراداتها".
أثار هذا النص تساؤلات حول مدى شموله البنك المركزي (مصرف لبنان).
حول الموضوع، أبدى الوزير السابق المحامي زيـاد بـارود الرأي القانوني الموجز الآتي:
1- ليس مصرف لبنان "مؤسسة عامة" بالمعنى القانوني الضيق للكلمة. فهذه الأخيرة تخضع لأحكام المرسوم رقم 4517 تاريخ 13/12/1972 الذي تنص المادة 3 منه على أن المؤسسة العامة تنشأ وتُدمج وتُلغى بمرسوم في مجلس الوزراء، في حين أن مصرف لبنان هو هيئة ناظمة (Regulatory Authority) أُنشئ بموجب المادة 12 من قانون النقد والتسليف الصادر في 1/8/1963، وقد نصّت المادة 13 منه على أنه "يعتبر تاجرا في علاقاته مع الغير. ويجري عملياته وينظم حساباته وفقا للقواعد التجارية والمصرفية وللعرف التجاري والمصرفي ولا يخضع لقواعد الادارة وتسيير الاعمال وللرقابات التي تخضع لها مؤسسات القطاع العام".
2- ولعلّ ما أثار موجة الاعتراض هو ما ورد في نص المادة 60 على أنه "خلافا لأي نص آخر"، بما يوحي وكأن هذا النص التشريعي يمكن أن يتخطى قانون النقد والتسليف، فيشمل، مثلا، مصرف لبنان. إلاّ أن ما سنبيّنه أدناه يلغي هذه الفرضية.
3- وبالفعل، ليس رائجا عبر العالم أن تكون هيئة ناظمة خاضعة لوصاية أية وزارة أو أية سلطة حكومية أخرى. حتى خارج الوصاية، تبقى المصادقة على موازنة الهيئات الناظمة من قبل وزارة المالية، مثلا، شكلا من أشكال التقييد التي تزيل عن تلك الهيئات الغاية التي من أجلها أنشئت والاستقلالية الإدارية والمالية التي يفترضها عملها. وهذا لا يعني التفلّت من الرقابة على اعتبار أن الهيئة الناظمة تخضع لقواعد محاسبية داخلية ولتدقيق محاسبي داخلي ويتوجّب عليها أن تنشر سنويا ما يقتضي نشره من حسابات و/أو نتائج و/أو مستندات، تأمينا للشفافية وتمكينا للمحاسبة والمساءلة عند الاقتضاء.
4- من حيث الشكل على مستوى آليات التشريع (légistique)، من الخطير فعلا أن ينطوي قانون الموازنة (في حال أُقرّ بالصيغة المقترحة في المادة 60 من المشروع) على تعديل لقوانين خاصة (lois spéciales) تنظّم قطاعا بكامله، فيأتي التعديل في الموازنة مجتزِئا (بكسر الزين)، بل ضاربا لهيكل ذاك التشريع الخاص.
5- باستثناء مصرف لبنان، فإن تجربة الهيئات الناظمة في لبنان غير مشجّعة، وهي أُجهضت بعدما تشكّلت (الهيئة الناظمة للاتصالات، مثلا) أو هي لم تقم أصلا (المطار، الكهرباء...) بسبب الرغبة في الإطباق السياسي والإداري عليها. وبالتالي، فإنه من الخطير فعلا أن تتم محاولة إخضاع الهيئة الناظمة للنقد للنمط الذي ساد التعاطي مع سائر الهيئات الناظمة.
6- إن تصاريح المسؤولين التي تلت التداول بنص مشروع الموازنة (المادة 60 تحديدا) توحي وكأن المصرف المركزي غير مشمول بهذا النص، وهذا أمرٌ حميد، إلاّ أن ما ورد في الفقرة الثالثة من المادة 60 المذكورة من تعداد"على سبيل المثال لا الحصر"، على ما ورد في النص، "للأشخاص ذوي الصفة العمومية والمرافق العامة" لا يحمل على الارتياح لأنه يترك المجال مفتوحا لاستنساب الإدارة لاحقا على مستوى التطبيق.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك