بلغ السيل الزبى بين رئيس الحكومة سعد الحريري وزعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط. قال الرجلان في حق بعضهما ما لم يقله مالك في الخمر. خطوط الاتصال انقطعت والوساطات تعطلت. وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري بادر في اتجاه وقف التدهور بين حليفي 14 اذار اللذين يختلف معهما جذريا في الاستراتيجيا السياسية، فيما نأى الاخرون، ومن بينهم اقرب الحلفاء من الطرفين، بأنفسهم عن توتر العلاقة وانحدارها الى ادنى مستوى على الاطلاق، ولكل مبرراته. فلمَ يصالح الخصم الاستراتيجي من لا يشاركانه المشروع السياسي والرؤية الشمولية؟
أبعد من لقاء الحريري- جنبلاط اذا حصل، وإعادة وصل ما انقطع، كما تقول مصادر سياسية مواكبة لـ"المركزية"، الدور المحوري الذي يضطلع به الرئيس بري. فهو لطالما تمرّس في تحقيق المصالحات وانجز مهمات تصالحية يشهد له فيها اهل السياسة فنجح حيث فشل الاخرون. اليوم، يخطف رئيس المجلس اللقمة من فم السبع، وما لم يتمكن من تحقيقه طوال الفترة الماضية في مسار علاقته المتوترة مع رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل منذ ما قبل حادثة فيديو محمرش حتى اللحظة، يتطلع الى بلوغه الان. تعتبر المصادر ان زعيم "أمل" المحنّك، وعلى قاعدة مواجهة سياسة "فرّق تسد"، يسعى الى انشاء جبهة خماسية مضمرة يفرمل من خلالها ممارسات وزير الخارجية التي يكاد لا ينجو طرف سياسي منها، الحزب الاشتراكي، تيار المستقبل، حزب القوات اللبنانية وتيار المردة. ذلك ان مجمل هذه القوى تعرضت لرشقات مواقف رئيس التيار السياسية النارية، فاشتعلت جبهات مواقع التواصل الاجتماعي بين قادتها ومناصريها متسببة بموجة من الاحتقان الدفين الذي لم تمحه لا الاجتماعات ولا اللقاءات التصالحية بين القادة. اقتنص الرئيس بري فرصة الخلاف بين التيارين الازرق والبرتقالي على خلفية ما اعتبره "المستقبل" استهدافا للسنّة ليسدد "ضربة معلم" حيث يجب، تضيف المصادر، فبادر الى الدخول على خط مصالحة الحريري - جنبلاط في اللحظة المناسبة وهو يدرك ان جدار الثقة مع الحريري الذي هدمته مواقف باسيل لا يمكن اعادة بنائه على القاعدة التي ارتكز اليها إبّان ابرام التسوية الرئاسية، وتاليا فإن اللحظة هي الاكثر ملاءمة للمّ الشمل "الخماسي" الذي به سيطّوق رئيس التيار ويضع حداً لجنوحه في اتجاه محاولة فرض "سطوته" على القرارات والمقدرات على مستوى البلاد من دون رادع.
والى الهدف المشار اليه، تعتبر المصادر ان رئيس البرلمان يتطلع ايضا من خطوته هذه الى اعادة احياء "الثلاثية" التي ضمت اليه في مرحلة سابقة الرئيس رفيق الحريري وجنبلاط وفعلت فعلها على مدى سنوات تحت عنوان تحصين اتفاق الطائف. فهو يرى في جنبلاط رمزا ودعامة وصديقا تاريخيا يشكل معه ثنائيا قويا فاعلا، فكيف بالاحرى اذا متّن هذه الثنائية بتحويلها الى ثلاثية مع الحريري ثم خماسية بانضمام القوات والمردة اليها.
وبمصالحة الحريري- جنبلاط الوشيكة، على ما تتوقع المصادر، من خلال لقاء قريب يجمع الرجلين، يستعيد الرئيس بري دور "الاطفائي" الذي غاب عن الساحة لفترة ووهجاً افتقده ابان الاشهر الاخيرة ودورا سياسيا تميز به على مدى عقود، اسهمت التسوية الرئاسية الاخيرة في اضمحلاله مع سطوع نجم الحريري- باسيل، فأي ظرف اكثر ملاءمة من لحظة الجفاء بين ركني التسوية للنفاذ منه الى حيث يتطلع ويصبو.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك