تستمرّ الانتفاضة اللبنانية في الساحات ضد السلطة الفاسدة، في حين لا يزال "العهد" ومن خلفه حزب الله يراهنان على الوقت لتفكيكها مع استمرار العمل على شيطنتها بكل الوسائل، وثمة من يراهن على استنفار جمهوره في شارع مقابل شارع، مع استغلال فائض القوة في السلطة ام في الميليشيات لافتعال حوادث تزيد الضغط على الفرقاء الآخرين للرضوخ والقبول بحكومة تكنو ـ سياسية برئاسة سعد الحريري حصراً، إذ يسعى رئيس الجمهورية وتياره السياسي إلى انقلاب على دستور الطائف من خلال الامعان في مسألة تأليف الحكومة قبل تسمية رئيسها على اعتبار ان ذلك يعزز من موقع عون السياسي ويعيد له بعضاً من صلاحياته التي انتزعها الطائف، بعد ان استفرد بإقامة اجتماعات اقتصادية في قصر بعبدا في مصادرة واضحة لصلاحيات الحكومة مجتمعة، ولم تشكل هذه الاجتماعات بدائل مطلوبة من الشارع والمجتمع الدولي، والمتمثلة بتأليف حكومة جديدة، في وقت يستمر رئيس "التيار"جبران باسيل بممارسة دور رجل العهد القوي ووضع الفيتو على اي تركيبة وزارية لا تناسب طموحاته الرئاسية.
ومع مواصلة قوى السلطة والعهد اداءها السياسي التقليدي لجهة تأليف الحكومة قبل تسمية رئيسها، فإن موعد الاستشارات النيابية الملزمة بعيد جداً، لا سيما ان الرئيس الحريري يربط عودته بتشكيل حكومة تكنوقراط ترضي الشارع المنتفض كما الخارج الذي سيقدم الدعم المادي للنهوض بالأوضاع الكارثية نقدا واقتصادا، في الضفة المقابلة، لا يزال الثنائي الشيعي متمسكا بترأس الحريري حكومة تكنوسياسية لـ"إدارة الانهيار"، فيما يبدو ان التيار الوطني الحر يتحرك على قاعدة "من لا يريدنا لا نريده" بحسب مصدر وزاري مقرب من تيار المستقبل، والدليل وفق المصدر ان باسيل هو الذي يسمي المرشحين ويفاوضهم على نوعية الحقائب وتوزيعها على القوى السياسية التي أعلنت رغبتها بالدخول في الحكومة العتيدة، ويتعامل مع عملية التشكيل وكأن شيئا لم يتغير في المعطى اللبناني بدليل إصراره على الحقائب الوازنة في استنساخ لدور مارسه اثناء تشكيل الحريري حكومته السابقة.
وفي ظل العجز عن انتاج مبادرة تفتح كوة في جدار الازمات المتلاحقة والتي تجري معالجتها آنيا كما حصل مع ازمة المحروقات والدواء والافران والدجاج، وغياب ملامح عملية لأي اختراق محتمل على ملف الدعوة للاستشارات، باتت الأنظار متجهة الى مبادرة دولية تجاه لبنان. فالمعضلة وفق المصدر عينه، ليست ازمة داخلية تتعلق بتشكيل حكومة، وانما هي ازمة تتعلق بتوازنات اقليمية تجد انعكاساتها في مفاوضات التشكيل كما في الشارع الذي تستعمله الاطراف السياسية كعلبة بريد لإيصال رسائلها. ويتابع المصدر الوزاري ان المعطيات الطارئة غير مسبوقة وتربك الجميع، فمن جهة نحن امام سلطة فاقدة للثقة، في ظل غياب تام لجبهة معارضة سياسية، وانما بوجود حراك شعبي يتمدد وتتوسع مروحة مطالبه لكنه غير متمثل بقيادة قادرة على التحدث باسمه، الامر الذي يزيد الضبابية والتشتت.
ويفاقم الأزمة عدم وجود توافق دولي بالحد الأدنى على عناوين عريضة للخروج من المأزق. وحول الاجتماع المنتظر لمجموعة الدعم الدولية والذي تقوده فرنسا، يقول المصدر ان المجموعة تتحرك انطلاقا من مبادرة داخلية تحصل نتيجة تسوية بين القوى اللبنانية ولا تشير المعطيات الحالية الى أي تقدم في هذا الموضوع، فيما أفادت مصادر اخرى إلى ان الاجتماع الثلاثي المرتقب سيربط موضوع المساعدات بتشكيل الحكومة وشكلها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك