دَخَل لبنان مرحلة أكثر دراماتيكية من «حبْس الأنفاس» مع تحديد رئيس الجمهورية ميشال عون الاثنين المقبل موعداً للاستشارات النيابية المُلْزمة لتكليف رئيس الحكومة العتيدة بتأخير 36 يوماً هو «عمر» استقالة الرئيس سعد الحريري استجابةً لمَطالب «ثورة 17 أكتوبر».
ورغم أن تحديدَ موعدِ الاستشاراتِ كان مَطْلباً أساسياً للمُنْتَفِضين كما للحريري ورؤساء الحكومة السابقين، فإن هذا التطور لا يشي بأنه «فاتحة» لانفراج في الأزمة الحكومية بمقدار ما أنه من ضمن لعبة «عضّ الأصابع» التي اشتدّتْ في الساعات الأخيرة في سياق محاولات استدراجِ الحريري للعودة إلى رئاسة الوزراء بشروط تَحالُف فريق عون - الثنائي الشيعي («حزب الله» وحركة «أمل») الذي يعتبر أن زعيم «تيار المستقبل» هو الأكثر قدرة على «إدارة المخاطر» الكبرى التي «تزنّر» البلاد ولا سيما من «الخاصرة» المالية وما يتطلّبه ذلك من «جسور ثقة» مع الخارج.
وترى أوساطٌ سياسية أن «اثنين الاستشارات» الذي أَعلن عنه قصر بعبدا من دون توافق مسبَق حول الاسم الذي سيتمّ تكليفه ولا على مرحلة التأليف - رغم «الرسم التشبيهي» الذي كان سُرِّب في الساعات الماضية - وذلك خلافاً لما كان يتمسّك به عون في تبريره تأخير الاستشارات تحت عنوان تلازُم «مساريْ التكليف والتأليف»، يجعل الأيام الأربعة الفاصلة عنه مدجَّجة بالأسئلة عما ستشهده من عمليات ضغطٍ مُنْتَظَرة على مساريْن متوازييْن: الأوّل على زعيم «تيار المستقبل» (الحريري) لتوجيه «رسالة» بأن «ساعة الحقيقة» دقّت، فإما يوافق على ترؤس الحكومة التكنو - سياسية وفق شروط تحالف عون - الثنائي الشيعي بما في ذلك عودة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل إلى الوزارة، وإما أن «عربة» المرشح سمير الخطيب ستنطلق وتوصل إلى تكليفه على قاعدة التشكيلة التي جرى تعميمها وبدت كأنها «معلّبة وجاهزة» ولا ينقصها إلا «إسقاط» اسم الرئيس المكلف عليها.
والمسار الثاني الضغط على الخطيب لثنيه عن قبول هذه المهمة، وهو الضغط الذي بدأه الشارع منذ ليل الثلاثاء - الاربعاء بعد إشاعة مناخات عن قُرب التوافق مع الحريري على تسمية الخطيب وتغطية حكومته حيث جرى قطْع طرق في بيروت (نقطة الرينغ) والبقاع والشمال، وهو ما استُكمل أمس قبل وبعد تحديد موعد الاستشارات وسط ترجيح أن تتدحْرج كرة الاعتراض عليه تصاعُدياً وصولاً إلى «الويك اند» الذي غالباً ما تستعيد فيه التظاهرات زخمها.
وتعتبر الأوساط أن ما شهدتْه الساعات الماضية هو في إطار عملية «هروب إلى الأمام» يمارسها الائتلاف الحاكِم وحُشر فيها الجميع وبينهم الحريري، في ظلّ 3 سيناريوهات تحكم ما يمكن أن يشهده يوم الاستشارات الطويل: فإما يكون سبَقَه إقناعُ الحريري بالعودة لقيادة الحكومة التي لا يريدها بهذا الشكل، وإما بتغطية الخطيب عبر بيان خطّي يتعهّد فيه أيضاً المشاركة في الحكومة ومنحها الثقة، وهما السيناريوهان المستبعَدان. اما السيناريو الثالث فأن يُكلّف الخطيب بحال «صمد» حتى الاثنين تحت ضغط الشارع وسط تسريباتٍ عن أن تحالف عون - الثنائي الشيعي وحتى «المستقبل» سيسميه، من دون أن ينجح في التأليف ويسقط بقوة الاعتراض الانتفاضة ليعود الملف الحكومي إلى المربّع الأول في ظل اقتناعٍ بأن فريق عون - الثنائي الشيعي لن يجازف في الذهاب الى حكومة اللون الواحد أو التي لا تحظى بمظلة سنية قوية.
وكانت ساعات ما قبل تعيين موعد الاستشارات كشفت عن تطورات مثيرة في الملف الحكومي، في صعودها وهبوطها وما رافقها من كرّ وفرّ سياسي ومعارك بياناتٍ كأنها «سلاح أبيض»، وعبّرت عن المدى الذي بلغته المناورات من قسوة بين أطراف الإئتلاف الحاكِم، كإنعكاسٍ لحجم التناحر بأبعاده الداخلية والخارجية في اللحظة التي تواجه البلاد أعتى أزمة مالية - اقتصادية في تاريخها الحديث، انفجرت معها الانتفاضة الشعبية العارمة.
وبدا واضحاً من بيان رؤساء الحكومة السابقين، نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، أن ما رُوِّج ليل الثلاثاء عن مناخات انفراجية كان مجرّد «كلام ليل يمحوه النهار»، رغم الانطباع بأن «الكلام الكبير» الذي انطوى عليه بيان هؤلاء جعل رئيس الجمهورية وحلفاءه ينبرون وكـ«ردّ فعل» إلى دفْع لعبة «مَن يصرخ أولاً» إلى مرحلة «أبيض أو أسود»، وتالياً ردّ كرة الاتهامات التي لم تنفكّ تُوجّه إلى عون باحتجاز التكليف خلافاً للدستور.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك