تنوي الحكومة، كما بشّرنا الوزير جبران باسيل، أن تخفّض الرواتب وبعض المخصّصات. التكتّل الذي يرأسه باسيل، ومعه تكتلات نيابيّة أخرى، دافعوا عن سلسلة الرتب والرواتب التي مُنحت من دون دراسة كافية. كان ذلك قبل الانتخابات التي تستلزم إغراء الناخبين، كي لا نقول الكذب عليهم، من معظم الفرقاء.
هذا التلويح، الذي أطلقه أيضاً أكثر من سياسي، سيُدخل البلد في أزمةٍ جديدة تشلّ الإنتاجيّة فيه وتؤدّي الى انكماشٍ إقتصادي إضافي، بفعل الإضرابات والاعتصامات التي انطلقت شرارتها وستشهد تصاعداً في الأيّام المقبلة. إنّه نموذج عن الإدارة الفاشلة للبلد، والتي يبدو أنّها متوارثة، حكومةً بعد أخرى.
من يطالب بخفض رواتب الموظفين والعسكريّين، وقبل النظر في جدوى هذا الإجراء وصوابيّته، ألا يجدر به، مثلاً، أن يجد حلّاً لمخالفات الأملاك البحريّة، وهي الى ازدياد، خصوصاً أنّ تسويتها ستدرّ مبالغ كبيرة للخزينة؟
أوَليس مفيداً إعادة النظر في الأبنية المستأجرة التي تشغلها إدارات عامّة، "من مبنى "الإسكوا" وجرّ"، وهي تكلّف الخزينة عشرات ملايين الدولارات سنويّاً؟
وماذا عن الهدر في المدارس الرسميّة، حيث يكلّف التلميذ أكثر من المدرسة الرسميّة؟
وماذا عن المؤسسات والجمعيّات التي تخصَّص لها ميزانيّات رسميّة ضخمة، بينما تستفيدُ منها قلّة من السياسيّين وزوجاتهم؟
وهل تابع الوزراء، من مكافحي الفساد، التقارير التي عرضت على شاشة mtv ونُشرت على موقعها عن الأموال الضائعة بمئات ملايين الدولارات في مرفأ بيروت؟ ملايين تذهب هدراً، وما من أحدٍ يتحرّك.
وهل بحثوا، أيضاً، عن السبل للحدّ من الهدر الضريبي الذي يفوّت الكثير على الماليّة العامّة؟
وماذا عن العقود التي تحصل بالتراضي، حتى في الحكومة الحاليّة، ومعظمها لا فائدة منها وتذهب الى المحاسيب، والرحلات الخارجيّة لوزراء وموظفين وضبّاط في درجة رجال الأعمال والإقامة في الفنادق الفخمة وفتح صالونات الشرف على حساب الخزينة التي تشبه البقرة الحلوب؟
وإذا كان بعض الزعماء يرغبون بتخفيض الأجور، فلماذا أدخلوا الى الإدارات العامّة الآلاف، خلافاً للقانون؟
ويمكننا أن نضيف، على هذه الأسئلة، العشرات غيرها، ولعلّها تُختصر كلّها بسؤال: هل يحارب الهدر من ساهم فيه؟
لرئيس الجمهوريّة شعار عن الإصلاح رفعه عن حقّ، منذ سنوات، وهو أنّ "شطف الدرج يبدأ من فوق". ما نراه، في محاربة الفساد كما في التقشّف، هو شطف من تحت فقط، وقد رفعنا أرجلنا كي لا تبلغها المياه ورفعنا أيدينا استسلاماً...
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك