تسيطر على وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، وأدوات الصراع الإعلامية في ليبيا في هذه الأيام، حالة من الجدل الواسع حول حقيقة دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي، لزيارة البيت الأبيض خلال النصف الثاني من الشهر الجاري.
يروّج أنصار الجيش الليبي بقوة لهذه الزيارة باعتبارها تمثل ذروة الدعم الدولي للجيش الليبي وتعبيرا للقوى الكبرى على سلامة موقف الجيش ووضوح رغبة هذه القوى في مساندة المشروع الوطني الذي يقوده المشير حفتر. ويسعى هذا المشروع للقضاء على الميليشيات الجهوية والقبلية والعصابات الإرهابية والإجرامية، ونزع السلاح الفالت، واستعادة سيادة وهيبة الدولة الليبية.
في المقابل، تسعى الجماعات الميليشياوية، وعلى رأسها أبواق جماعات الإسلام السياسي، بكل ما أوتيت من قوة إعلامية إلى تفنيد مصداقية خبر الدعوة والزيارة والتقليل من أهميتهما.
بيد أن الحقيقة تقول إن طبيعة الخلفيات المرتبطة بخبر هذه الدعوة تقوم برمتها على شرط واحد ورئيسي، وهو ارتباط هذه الدعوة (الصحيحة في برمجتها والمعلقة في توقيتها) بإنهاء الجيش الليبي للعملية الجارية لتحرير طرابلس بالانتصار على الميليشيات وكافة صور انتشار السلاح المارق.
وبالتالي فإن هذا الشرط هو الذي خلق حالة الجدل الدائرة الآن حول دعوة ترامب لحفتر لزيارة الولايات المتحدة. أما خلفيات معركة تحرير طرابلس، التي يبدو أنها شارفت على نهايتها لصالح الجيش الليبي والتي أسّست لحالة الجدل حول حقيقة زيارة حفتر لواشنطن، فيمكن اختزالها في النقاط التالية:
ترامب لن يستقبل حفتر في واشنطن إلا لكونه رئيسا للمجلس العسكري الانتقالي.. يعني كرئيس دولة مؤقت. حيث لم تجر العادة على تنظيم استقبالات رسمية في واشنطن لغير الرؤساء.
الموعد المحدد أو المسرّب لهذه الزيارة، وهو النصف الثاني من الشهر الجاري، يشي بوجود ما يشبه اليقين لدى الإدارة الأميركية بأن العمليات العسكرية ستكون قد وصلت نهايتها بحلول ذلك التاريخ وانتصار الجيش الليبي. والذي تعتقد الجهات الاستخبارية الأميركية أيضا أنه سيكون الوقت الذي سيجري فيه الإعلان عن آلية الحكم الانتقالي الجديدة. ولعل ما يعزز من هذا الرأي هو أن هذه الزيارة التي تسرب أول خبر عنها قبل زيارة حفتر لروما كان موعدها الافتراضي المتوقع بعد زيارته لباريس، وهو التوقيت الأول الذي يبدو أن الإدارة الأميركية توقعت فيه انتهاء العمليات العسكرية.
يريد ترامب أن يحقق من لقائه بحفتر أهدافا رئيسية منها مشاركته في إحياء تجربة انتقال ديمقراطي حقيقية تقوم على عملية انتقال سياسي رصين ومنظم ونظيف من الدماء والعنف يثبت بها ترامب أنه داعم للديمقراطية البعيدة كليّا عن التجارب الفوضوية التي ورط فيها أوباما وكلينتون والحزب الديمقراطي منطقة شمال أفريقيا والمشرق العربي عبر إغراقها في العنف والإرهاب والفوضى.
ويعول ترامب على مساعيه بدعم استعادة الجيش الليبي لسيادة الدولة وإعادة الاستقرار المفقود لاستغلال ذلك في حملته الانتخابية الثانية ضد الديمقراطيين. ويهدف ترامب أيضا إلى تأمين حصاد اقتصادي جيّد من وراء مساعدة ليبيا على استعادة استقرارها لإعادة جني الأرباح التي حولتها إدارة أوباما إلى خسائر بتقويضها لاستقرار ليبيا وجاراتها وامتداد توابع الفوضى إلى كامل منطقة الشرق الأوسط والعمق الأفريقي جراء ما نشرته المخططات الإخوانية من عنف وفوضى وجريمة منظمة وإرهاب وتفكيك مروّع للمجتمعات.
ويعتقد أن يستغل ترامب زيارة حفتر لبحث مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وإنهاء الهجرة غير الشرعية وتسجيل هدف أميركي كبير في المرمى الأوروبي. كما يسعى ترامب إلى ضمان إمدادات النفط الليبية للأسواق الدولية التي تمثل لترامب أحد أهم حبال شل حركة إيران، كما يسعى إلى دعم دور ومشاركة الشركات الأميركية في مشاريع إعادة الإعمار.
وهناك أنباء عن وجود مخطط أميركي لإعلان أكبر حملة ملاحقة للأموال الليبية المنهوبة ومساعدة الشعب الليبي على استرجاعها. تستهدف هذه الحملة تركيا بالدرجة الأولى باعتبارها أكبر ملاذ لهذه الأموال. وسيقوم ترامب بذلك دون أن يتخلى عن براغماتيته الانتهازية التي سيعبر عنها بحسب الأنباء بالبحث عن إيجاد صيغة لشراكة أميركية ليبية وتوظيف هذه الأموال لصالح دعم اقتصاد البلدين.
وعليه، فإن تسريب خبر الزيارة بقوة عبر وسائل عالمية مختلفة وعدم الإعلان عنها رسميا أو تحديد موعدها، إنما يعود إلى توجيه الدعوة للمشير خليفة حفتر باعتباره قائدا للمرحلة الانتقالية ورئيسا للمجلس العسكري الانتقالي، وليس كقائد عام للجيش سبق أن اتصل به ترامب هاتفيا وأعلن في مكالمة معه اعترافه بالجيش الليبي كشريك في مكافحة الإرهاب، وثمّن قيامه بضمان استقرار أسواق الطاقة الدولية، وهي مكالمة أعربت عن تأييد ضمني للعملية العسكرية الجارية لتحرير العاصمة طرابلس من الميليشيات وفوضى السلاح.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك