المواجهة الجنوبية ترفع سقف الرسائل الإقليمية
01/01/0001
استنفرت التطورات التي تسارعت في الجنوب مع التظاهرة الفلسطينية في مارون الراس اهتمام المعنيين المحليين والديبلوماسيين المعنيين ولا سيما منهم من تشارك دولهم في القوة الدولية العاملة في الجنوب. اذ تسارعت الاتصالات من اجل منع تطور الامور الى ما هو اخطر من اطلاق نار على متظاهرين حاولوا عبور الخط الازرق وادى الى مأساة انسانية بوقوع قتلى وجرحى كثر وضرورة عدم تفاعل المجزرة على نحو يخشى في ان يؤدي الى تدهور الوضع.
ما حاول مراقبون استشفافه من تزامن التظاهرات في الجولان المحتل والجنوب اللبناني وبأهمية أقل في غزة، باعتبار ان ما حصل هناك هو من ضمن ما يمكن توقعه، هو ما اذا كان التحرك مدروسا ومقصودا وبأي حجم والى اي مدى. اذ انه على رغم وجود مناسبة هي ذكرى النكبة الفلسطينية وتكرار المشهد في جنوب لبنان من منطلق انه سبق ان حصل سابقا في المناسبة نفسها، فان دخول العامل نفسه على الجولان اسبغ على مجمل هذه الحركة ابعادا سياسية اضافية خصوصا في ضوء التطورات الدرامية في الداخل السوري التي لا يمكن المراقب ان يهملها لان الجولان نادرا ما كان مسرحا لأمر مماثل. اذ انه بالنسبة الى بعض المراقبين لم يمض سوى ايام قليلة على ما اعلنه قريب الرئيس السوري بشار الاسد رامي مخلوف في حديث صحافي وربط فيه استقرار اسرائيل باستقرار سوريا على نحو فهمه كثر تحذيرا ضمنيا من مغبة المساس دوليا بالنظام السوري الذي يملك اوراقا قد تطيح الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط في حال شعر بالخطر على بقائه. وفي ظل هذه الفكرة فان الامر يمكن ان يجد طريقه فورا الى الاذهان انطلاقا مما حدث في جنوب لبنان او في جولان سوريا في حال شاء البعض ترجمة القول بالفعل في حين ترددت تحليلات غربية كثيرة في الاسابيع القليلة الماضية تتضمن احتمالات قيام حرب سورية - اسرائيلية وفق ما يعتبره كثر حاجة النظام السوري الى لمّ الداخل السوري الذي يشهد اعتراضات متصاعدة عبر تحريك الجبهات مع اسرائيل مع ترجيح او ترشيح "حزب الله" لان يقوم بذلك انطلاقا من لبنان نظرا الى ان بقاء النظام السوري واستمراره هو محور حيوي بالنسبة اليه.
لا تخفي مصادر مراقبة معنية ان قلقا كبيرا اشاعه ما حصل في الجنوب والجولان على حد سواء على رغم ان حساسية الوضع الجنوبي تبدو اكثر تجذرا وخطورة باعتبار انه اذا كان ما حصل يشكل رسالة ما الى الغرب الاوروبي كما الى الولايات المتحدة، فان هذه الرسالة تأخذ ابعادا اضافية من الجنوب حيث هناك وجود لمصالح غربية حيوية بوجود القوة الدولية وعلى عتبة استعدادات ضمنية جدية لدى بعض الدول الاوروبية لمراجعة حجم المشاركة في هذه القوة على رغم النفي العلني لذلك، وفي ظل معلومات تتحدث عن جهود تبذل لدى هذه الدول من اجل عدم المضي في ذلك. فحين حصلت تظاهرة فلسطينية مماثلة في الجنوب في ذكرى النكبة فهمتها مصادر ديبلوماسية في بيروت في اطار الرسالة الموجهة الى القوة الدولية ايضا من جملة الاهداف باعتبار ان المشاركين تقف وراءهم منظمات تنتمي قياداتها الى سوريا، كما لدى "حزب الله" الذي امكنه توظيف ذلك لمصلحته. وفي ظل حادث وحيد ايا يكن حجمه، فان الترجيحات هي ان يشكل ذلك رسالة ينطلق مضمونها من الجولان كما من الجنوب حول مدى هشاشة الوضع في منطقة الشرق الاوسط، وامكان تحويله بسرعة الى وضع خطير ومتفجر وخصوصا اذا كان وضع النظام السوري في خطر، في ما يمكن ان يشكل تحذيرا للدول الغربية من خطر تصعيد ضغوطها على النظام والانتقال الى مرحلة المطالبة بتنحي الرئيس السوري او تخليه عن السلطة وفق ما تنذر المواقف الغربية.
الا ان هذه المصادر تعتبر انه من المبكر الاستنتاج ان يتعدى الامر الرسالة السياسية في امكان تحريك الحدود الى ما هو ابعد منها. اذ يتعين انتظار متابعة تطور الامور في الايام المقبلة من اجل رصد مضاعفات الحادث الدامي الذي وقع في مناسبة محددة هي ذكرى النكبة. ذلك ان تكرار الحوادث في الجولان او في الجنوب بعد ايام مثلا قد يفيد بان هناك قرارا برفع السقف الى هدف آخر قد يكون تسعير الجبهات من اجل اعادة تحريك الشارع العربي في غير الاتجاه الذي يسلكه راهنا، وبالنسبة الى سوريا لملمة الداخل السوري حول النظام او سوى ذلك احد اهدافه علما ان الامر مستبعد في ظل الظروف الراهنة لان الوضع السوري لم يصل بعد الى درجة الخطورة الشديدة التي تسمح بمثل هذا الاستنتاج. الا ان هذا السقف في ذاته يحمل خطرا كبيرا في حال كان واردا قد يشمل استغلال اسرائيل ذلك ذريعة من اجل شن حرب كبيرة من غير الواضح الى اين يمكن ان تؤدي. ويعتقد هؤلاء ان ذلك يشمل لبنان بمقدار ما يشمل سوريا لانه لن يكون سهلا على "حزب الله" خوض هذه المغامرة تماما مثلما هي الحال بالنسبة الى سوريا على رغم صعوبة وضعها الراهن.