امرأة في المخفر... وصحافيّة أيضاً!
19 Mar 201506:45 AM
امرأة في المخفر... وصحافيّة أيضاً!


أن تكوني امراة في دولة لا تتمتع فيها المرأة بكامل حقوقها السياسيّة والاجتماعيّة ليس بالأمر المحبط. فالموضوع له إيجابياته حين تكونين في ضيافة الدولة اللبنانية ومخافرها. امتيازات لا تجديها في دولة تعتبر أنّ حقوق الإنسان واحدة وتشمل الذكور والإناث معاً.
أن تكوني امرأة يعني أنّه يحقّ لدوريّة للضابطة العسكريّة التابعة لقوى الأمن الداخلي أن توقفك عنوة وبأسلوب ميليشاوي، إرهابي، لأنك تتحدّثين على الهاتف الخلوي، وتحديداً مقابل "برج الغزال" في الأشرفية.


ما تقومين به مخالف للقانون ولا لبس فيه، وباعترافك انت شخصيّا كامرأة، فالتحدث على الخلوي يهدّد سلامة القيادة، وما تستحقّينه هو تسطير مخالفة بحقّك وفق قانون السير الجديد.
الاعتراف بالخطيئة، ثمّ العودة عنه، فضيلة، ولكنّ توقيف امرأة على معرفة جيّدة بحقوقها وواجباتها ليس بهذه السهولة.
فأنت تعلمين أن لا سلطة للشرطة العسكريّة على توقيفك أو طلب اوراقك الثبوتية، بل هي من صلاحيات شرطة السير أو القوى الأمنية التي تُستدعى الى مكان المخالفة للتصرف.
أن تكوني امرأة لم تتصل بزوجها أو والدها أو أيٍّ من أحد أفراد العائلة الذكور، يتيح لمن يمثّل الدولة أنّ له الحق بأن يتهجم عليك، لأنّك رفضت، تحت أيّ ذريعة، تسليمه أوراقك الخاصة الثبوتيّة لأنّ هذا الطلب خارج صلاحياته القانونية. وهذا حقّك.
ولأنّك عنيدة ولم تتصلي بأحد، اعتبر من يرتدي البزّة المرقطة، ولا يضع على رأسه القبعة، في مخالفة للقانون العسكري بحدّ ذاته، أنّه يحقّ له أن يهينك بأبشع الكلمات "انت سيّدة مفحّلة، فاجرة".


ولأنك إمرأة تؤمن بحقوقها كمواطنة وعلى علم وثيق بها تنتفضين على الكلمات الذكورية وتصرّين على حل النزاع في مخفر الجميزة متسلحة بأوراقك حتى النفس الأخير...
مكبّلة تدخلين المخفر، وحضرة "القبضاي" الذي حجزهاتفك، في موقع قوّة يحسده عليه بعض زملائه.
أن تكوني امرأة تسمعين البعض من العناصر يهمس في أذنيك "يا عيب الشوم، ليحسبك ابنته أو شقيقته" فتشكرينهم على لطفهم، ولكن في داخلك أنت لا تريدين معاملة مميزة لكونك إمرأة بل لأنك مواطنة فقط...
في المخفر تتحوّلين من امرأة "فاجرة" الى امرأة "مش معروف هويتها وبماذا نصفها؟" فإذا كان مظهرك لائقاً وأنيقاً، تنتقلين بين المكاتب بسرعة للوصول الى قائد المخفر.


بكلّ احترام، يستقبلك المقدّم نصرالله، وبكلّ تهذيب يستمع الى الوقائع من جهتك، يضحك عند سماع بعض اعترافاتك. يحاول أن يقنعك بأنّ تقديم شكوى ضد عنصر أمني ليس بالأمر السهل وخصوصاً انك اعتديت عليه أيضاً. ويسألك لتحديد مهنتك، فيتفاجأ بأنّك صحافيّة.
ولأنّ مهنتك لها امتيازات عند الدولة المصونة يسألك: "لماذا لم تعرّفي عن نفسك حين تمّ توقيفك؟".
ولأنك مواطنة فقط تجيبين: "لا أحبّ أن استخدم سلاح مهنتي، فأنا مواطنة اولاً، كما لا يحقّ له استعمال موقعه في الدولة للاعتداء عليّ؟".
يستغرب الجميع كيف استطعت كإمرأة، بمفردي، أن أحصّل حقوقي، واتخذت قرار عدم التقدّم بشكوى لأنّ التعامل معي بعنصريّة وقلّة احترام لم يصدر إلا عن عنصر واحد. أما البقيّة فترفع لهم القبعة!


ينتظر الموقوف في الطابق الثاني في مخفر الجميزة. لا تستغربي غياب قواعد السلوك أو حقوق الحجز غير المنشورة، فمن يدخل هذا المكان لا يعرف اذا كان عليه أن يطلب محامياً... أو الإجابة على الأسئلة...
ولكن أن تكوني "امرأة" وصحافيّة ايضاً، فانت لست بحاجة للقواعد. هناك أنت تضعين قواعد اللعبة وتقرّرين الحكم.
قرأت في صحيفة "النهار" قصّة المواطنة فيكتوريا التي تمّ توقيفها ايضاً في منطقة جعيتا من قبل القوى الأمنيّة المعنية بسبب مخالفة تتعلق بميكانيك سيّارتها.
قاومت فيكتوريا القوى الأمنيّة، صاحبة كامل الحقّ في توقيفها، وكبّلتها لأنّها رفضت التوجه الى المخفر قبل وصول زوجها أو أحد أفراد أسرتها.
الفرق بين القضيّتين أنّ الصحافيّة كبّلت لأنّها أصرّت على مواجهة الإشكال في المخفر لوحدها، والثانية لأنّها رفضت الذهاب من دون مرافقة الزوج.
فكيف تتصرّف المرأة في ضيافة الدولة؟ أمر محيّر وغريب!