يتقدّم الوضع في الجنوب على الاستحقاقات اللبنانية الأخرى. الوضع العسكري على الجبهة بين لبنان وإسرائيل، وما يتضمن ذلك من مواجهة لبنان بناء إسرائيل جداراً إسمنتياً على طول الحدود مع الأراضي المحتلة، ومواجهة جديدة تخصّ حماية النفط اللبناني في البحر. لا يترك الإسرائيليون فرصة للتوتير أو للدخول على خطّ الأزمات وإن عبر مواقف تشكّل فقاعات إعلامية، أو إستفزازية لاستدراج الوضع إلى تطورات غير تقليدية.
هذه التطورات هي ما دفع الرؤساء إلى الاجتماع، وما أعاد إحياء اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، للبحث في كيفية الردّ. لكن، كما يبدو واضحاً، فإن هذا السياق يتخطى لبنان ويتربط بكل ما يجري في المنطقة. الدخول الإسرائيلي على خطّ الأزمات المتلاحقة، لا ينفصل عن توجهات إسرائيلية أميركية أوروبية في المنطقة ككل، وخصوصاً في سوريا. دعوة الخارجية الفرنسية إلى ضرورة خروج كل المقاتلين من سوريا بمن فيهم حلفاء إيران، رسالة أساسية ومباشرة لوجهة الأمور. الأولوية في هذه المرحلة، هي لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، أو لإخراج إيران من سوريا، بعدما أصبحت الطرف الأقوى وأكثر من حقق إنتصارات على الأرض واحتفظ بها.
مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد ساترفليد، الذي زار لبنان والتقى مختلف المسؤولين فيه، جاء بعد زيارته فلسطين المحتلة. وتفيد المصادر بأن زيارة ساترفيلد تهدف إلى لجم أي توتر يمكن أن يحصل بفعل التصعيد الإسرائيلي. وتتحدث المعلومات عن أن الأميركيين يوجهون رسائل بأنهم لا يريدون توتير الوضع في لبنان، أو بين حزب الله وإسرائيل. وليس هناك مصلحة أميركية في إثارة أي توتر في المنطقة، لأن أي حرب ستؤدي إلى التعكير على المشروع الأميركي في المنطقة، خصوصاً بعد القرار في شأن القدس. لذلك، يحرص الأميركيون على إيجاد سبل لمنع إندلاع أي مواجهة عسكرية في المنطقة.
وفيما مُنح المجلس الأعلى للدفاع الغطاء السياسي للقوى العسكرية لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي على الحدود في البر والبحر، مؤكدا أن "الجدار في حال تشييده على حدودنا يعتبر اعتداءً على سيادتنا وخرقاً للقرار 1701، ترددت معلومات عن استئناف إسرائيل العمل ببناء الجدار، في منطقة رأس الناقورة، وسط استنفار عسكري إسرائيلي لافت. وإذا استمر الإسرائيليون في عملهم، فهذا يعني أن المراد هو تصعيد الموقف أكثر، واستفزاز لبنان لاستدراجه إلى خانة مواجهة سياسية بالحدّ الأدنى.
يعتبر حزب الله أن مسألة الحرب غير محسومة لدى الإسرائيليين. هناك خشية إسرائيلية من تداعيات أي حرب، فيما هي تفضّل بقاء الأمور على حالها. لكن الغارات الإسرائيلية على سوريا، والتي تستهدف مواقع للحزب من الأجواء اللبنانية، ستستمر وتتوسع. وآخرها الغارة الليلية التي استهدفت موقع جمرايا في ريف دمشق.
وتشدد المصادر على الترابط بين زيارة ساترفيلد، والزيارة التي سيجريها وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون إلى لبنان خلال الأيام المقبلة ضمن جولة على دول المنطقة، بكل زيارات المسؤولين الأميركيين من دبلوماسيين وعسكريين ومن وزارة الخزانة الأميركية إلى بيروت، للبحث بملفات متعددة، أولها الوضع في الجنوب، وثانيها إخراج حزب الله من سوريا، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني، وثالثها العقوبات الأميركية على الحزب، وحتى على المصارف التي تحاول الإلتفاف على القرارات الأميركية، وتسمح بتعاملات الحزب أو مسؤولين فيه أو من أدرجوا على لوائح العقوبات الأميركية، وتحريك حساباتهم وأموالهم.
وتتحدث المصادر عن أن هذا النوع من الضغط سيتكثف. ويصرّ الأميركيون على المضي قدماً في هذه الطريق، مع الإشارة إلى أنهم لن يتساهلوا في تطبيق هذه العقوبات كما حصل سابقاً. ويعمل مصرف لبنان على البحث في سبل مواجهة هذه الإجراءات، التي قد تصل إلى إقفال بعض المصارف، فيما يريد المصرف المركزي اتخاذ إجراءات أقل تشدداً، تشبه تجميد تراخيص هذه المصارف إلى فترة، بشكل يرضي الأميركيين، ويثبت إتخاذ إجراءات عقابية بحق هذه المصارف، ولكن من دون إقفالها. وما لذلك من إنعكاسات سلبية على القطاع المصرفي ككل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك