طفلٌ بين نعشين لا يبني وطناً
داني حداد
27 كانون الثاني 2015 06:20
يقف هذا الصبي الصغير بين نعش والده ونعش جدّه. استشهد الأول في الاعتداء الإسرائيلي الذي استهدف مجموعة عسكريّة من حزب الله في القنيطرة السوريّة، وتوفي الثاني بعده بساعات نتيجة المرض وهول المصيبة.
يحمل الصبي الصغير بندقيّة ويرتدي بزّة عسكريّة. هو يحبس دمعة ويبدو وكأنّه يتجنّب النظر يميناً، حيث نعش والده، أو يساراً، حيث نعش جدّه.
ليس عباس حجازي، والد الطفل، الشهيد الأول الذي يسقط من بلدة الغازيّة الجنوبيّة. ما من بلدةٍ جنوبيّة إلا وقدّمت شهيداً. وينطبق الأمر نفسه على الكثير من البلدات اللبنانيّة. ولكن، الى متى يستمرّ مشهد الدم وما هي الفترة الزمنيّة الفاصلة عن احتمال سقوط هذا الطفل شهيداً أيضاً؟
ربما لا ينهض الوطن من دون شهداء. إلا أنّ الوطن يفرغ أيضاً إن استمرّ نزف الشهادة. على هذا الطفل أن يحمل كتاباً لا بندقيّة. عليه أن يصلّي لوالده وربما أن يفتخر بشهادته. ولكن، عليه أيضاً أن يمضي مع أبناء جيله لبناء وطنٍ بلا نعوش. وطنٌ للإنتاج الاقتصادي والصناعي والزراعي والخدماتي والثقافي والفنّي... عليه أن يعمل في المستقبل على توسيع المدرسة في الغازيّة لا المقابر. عليه أن يحلم بالانتساب الى جامعة على أرض الجنوب لا الى معسكر تدريب. عليه أن يؤمن بأنّ إسرائيل عدوّة، ولا بدّ أن ينضوي في المقاومة لمواجهتها متى هاجمت أرض لبنان، لا مواجهتها بالنيابة عن الفلسطينيّين الذين يتركون جيشاً غاصباً لقدسِهم ليأووا الإرهابيّين في مخيّماتهم وينقسمون فصائل مسلّحة لم تقدّم للقضيّة الفلسطينيّة سوى الشعارات والوعود.
ما نأمله أن يخرج هذا الطفل الصغير من بين النعشين. أن يرتدي مريول المدرسة لا البزّة العسكريّة. أن يقف الى جانب أمّه الجريحة ماسحاً دمعها. أن ينظر في عينَي والده في الصورة المرفوعة في صدر الدار ليقول له: ها أنا أصبحت رجلاً منذ الآن، وسأنتقم لك من قاتليك. سأنتقم بأن أتعلّم وأتثقّف وأتشبّث أكثر بأرضي من دون أن أشعر يوماً بأنّها ملك لي وحدي. سأنتقم بأن أتجاوز أيّ اختلاف بيني وبين اللبنانيّين الذين ينتمون الى غير طائفتي وأن نعمل معاً على بناء وطن يتّسع لأحلامنا جميعاً. نم يا والدي مرتاحاً، سأنتقم لك منذ الآن، وحينها، أطمئنك، ستزول إسرائيل التي قتلتك...