انتصار الجيش على "داعش" يغير معادلات في المنطقة
دوللي بشعلاني
19 آب 2017 07:44
يتباهى الجانب الإسرائيلي بأنّه شنّ نحو100 غارة جويّة في السنوات الخمس الأخيرة، استهدفت قوافل أسلحة عائدة لـ «حزب الله» ولفصائل أخرى في سوريا، وذلك بهدف الإستمرار في تهديد لبنان والحزب بشنّ حرب جديدة عليه، يُحقّق فيها الإنتصار هذه المرّة. غير أنّ هذا الكلام، بحسب أوساط ديبلوماسية عليمة، لا يُقدّم أو يُؤخّر في جهوزية الحزب للمواجهة، ولا في حجم ترسانته التي تحاول إسرائيل التقليل من أهميتها.
وأكّدت الاوساط، أنّ كثرة الخوض في هذا الموضوع لا يعني بالضرورة أنّ الجانب الإسرائيلي سيشنّ حرباً جديدة على لبنان غداً، خصوصاً إذا ما تمكّن من عرقلة تهريب الأسلحة إلى «حزب الله» من إيران، بحسب وجهة نظره. كما أنّه لا يبدو أنّ الحزب بحاجة ماسّة للسلاح أوأنّه غير متوافر لديه، لا سيما مع ما يعلنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله على لسانه في كلّ مناسبة عن قدرة صواريخه بالوصول الى العمق الإسرائيلي، رغم محاربته على أكثر من جبهة.
وإذا كانت إسرائيل من خلال شنّها الغارات التي تحدّثت عنها تعتقد أنّها حقّقت إنجازاً في تدميرها عتاداً مهمّاً للحزب، الأمر الذي يمنعه من جرّها الى حرب جديدة معه، فالواقع هوعكس ذلك. فالحزب، على ما أوضحت الاوساط، لن يُبادر الى أي حرب، بل هو جاهز دائماً لردّ اي اعتداء أوعدوان يأتيه جنوباً من الجانب الإسرائيلي، حتى ولوتمّ تدمير العتاد الذي يكشف عنه.
كذلك فإنّ الحزب لا يُفكّر بالتصعيد مع الجانب الإسرائيلي إذ يكفي منطقة الشرق الأوسط ما تشهده من حروب، من العراق الى سوريا واليمن، لهذا فهو لن يُبادر الى فتح معركة جديدة. في الوقت نفسه، لا مصلحة لإسرائيل بشنّ حرب على الحزب في الوقت الحالي، على ما شدّدت الاوساط، لا سيما وأنّها تُراقب المعارك القائمة في المنطقة، خصوصاً في سوريا والتي يُشارك فيها الحزب. كما تتطلّع بالتالي الى المعركة التي يقوم بها الجيش اللبناني في جرود رأس بعلبك والقاع، لمعرفة ما سيكون عليه مصير تنظيم «داعش» على الحدود اللبنانية.
واكدت الاوساط ان المنطقة لا تتحمّل اليوم حروباً مفتوحة على كلّ الجبهات، ولهذا فليس من مصلحة أي جهة المبادرة الى الاعتداء على الجانب الآخر، حتى وإن كانت إسرائيل تودّ التخلّص من الحزب، تماماً كما يريد لبنان إنهاء وجود التنظيمات الإرهابية على حدوده وفي الداخل بصورة غير نهائية.
وكشفت الأوساط نفسها أنّه رغم كلّ شيء، فإنّ «حزب الله» لا يبدي ارتياحاً تجاه نوايا إسرائيل، فهي تُعلن شيئاً وتفعل شيئاً آخر، ولهذا فالإحتياط يبقى قائماً رغم كلّ الإحتمالات. كما أنّ إسرائيل في مراقبة دائمة للقوافل الإيرانية المحمّلة بالأسلحة للحزب، إلاّ أنّ لدى إيران طرق سريّة يمكنها من خلالها إيصالها للحزب من دون معرفة الجانب الإسرائيلي.
ومن المعلوم بالتالي، أنّه بإمكان إسرائيل القيام بغارات إنتقامية على الحزب في سوريا، وأن تتذرّع بما يحلولها، غير أنّ ذلك يفتح الباب أمام الحزب للردّ عليها. وشدّدت الاوساط على أنّ حروب إسرائيل في المنطقة، هي حروب وجود، على ما يُقال، إذ تخشى من أن تتمكّن حركات المقاومة يوماً ما من القضاء على وجودها هذا التي تُدافع عنه ليس فقط منذ عقود، بل من قبل ذلك بكثير.
وبرأي الاوساط، فإنّ انتظار معركة الجيش في جرود رأس بعلبك والقاع في المرحلة الراهنة، سيكون سيّد الموقف بالنسبة للكثيرين، بما فيهم إسرائيل. فانتصار الجيش على التنظيم الإرهابي على الحدود الشرقية والشمالية، من شأنه أن يُغيّر معادلات كثيرة في المنطقة، كما أنّه قد يترافق مع إيجاد الحلّ السياسي للأزمة في سوريا، والى إنهاء وجود التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط أوحصرها في منطقة معيّنة.
في المقابل، فإنّ حلم إقامة «الدولة الإسلامية» في العراق وبلاد الشام الذي بدأ يتكسّر تدريجاً عند الحدود اللبنانية، على ما أشارت الاوساط، سيلحق به حلم تخلّص «داعش» وسواه من التنظيمات الإرهابية من «حزب الله» إكراماً لإسرائيل. ولهذا فإنّ خريطة جديدة سوف تُرسم لدول المنطقة جرّاء التقسيمات التي ستحصل على الأرض والتي تُخالف، على ما يبدو، خريطة الشرق الأوسط الكبير التي وضعتها الولايات المتحدة الأميركية.
من هنا، يسعى لبنان الى أن يُحقّق الإنتصار على «داعش» قريباً ويدحره من الجرود الشرقية والشمالية بشكل نهائي، لكي يتسنّى له فيما بعد من أن يُعيد الهدوء والإستقرار الى المناطق اللبنانية كافة، والى إعادة المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلّها أي مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، لكي يبسط الجيش سيطرته على كامل أراضيه.
وتؤكّد الاوساط على أنّ لبنان سوف يفتح صفحة جديدة من تاريخه بعد مكافحة الإرهاب وتحرير أراضيه من التكفيريين، ما يجعله قادراً فيما بعد على حلّ كلّ الملفات الداخلية خصوصاً تلك التي تحتاج للأمن والإستقرار في البلاد. كما أنّه سيبحث لاحقاً موضوع النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على أرضه، كما موضوع الإستراتيجية الدفاعية عندما يُصبح جيشه قادراً، عديداً وعتاداً، على ردّ كلّ أنواع الإعتداءات التي قد يتعرّض لها لبنان من الشمال أومن الجنوب.