في فينومينولوجيا الدَّوليشويّة خواء وادّعاء وارتماء!
زياد الصائغ
13 حزيران 2019 07:06
فشلنا في بناء دولة. إسترسلنا في تأبيد هذا الفشل. رأينا فيه قُدرة على المناورة حتى هاوية اصطناع انتصاراتٍ موهومة. لم نَعتَد منذ ما بعد بداية التسعينيّات ملاقاة بُنية التسويات التاريخية. سهلٌ اصدار مضبطة اتهام بالاحتلالين. الأصعب استيعاب أننا نفتقد مناعة في وجه استدراج الاحتلالات والوصايات. هل يُمكن لوطنٍ فهِمَه كمال يوسف الحاج رسالةً حضارية أن يزُجَّ به أولياء أمره، المتموضعون على رصيف وليّ أمرهم، في عصفورية منتقاة؟ رُحماكم شارل مالك، ورياض الصلح، وبشارة الخوري، والخوري ميشال الحايك والعلامة يواكيم مبارك، وغسان تويني، وفؤاد بطرس، وبيار الجميّل، وريمون إدّه، وكميل شمعون، وكمال جنبلاط، وبشير الجميّل، والكاردينال مار نصرالله بطرس صفير. رُحماكم، ولو أنتم موجوعون في عليائِكم، بالله عليكم أنقِذوا من وباءٍ قاتلٍ قابعٍ في عنهجية مارِقة. رُحماكم، وفي عليائكم معكُم أيضاً شهداء انتفاضة الاستقلال الثاني، استدعوا منهم للبناننا بعضاً من شفقة على ما نعايشه، رغم إصرار أولياء أمرنا، المتموضعين على رصيف وليّ أمرهم، رغم إصرارهم على أنهم في مسيرةٍ إنقاذيّة تاريخيّة. إنه إصرارٌ في الخواء، والإدّعاء، والإرتماء حيث فينومينولوجيا الدوليشوية نافرةٌ حتى الموت الانوجادي سريريّاً.
1- الدَّوليشويّة والخواء!
في فراغ السياسة واغتيال السياسات تنتفخ الشعبويّة. في انتفاخها مجهولٌ نحن في صميمه. مجهول انقراض المربَّع العام يفهمه طارئون، إما استعادةً لحقوق، أو دفاعاً عن صلاحيّات. إنقراض المربّع العام يفترض تقويةٍ لمربّعاتٍ خاصة. المربّعات الخاصة عندنا خواء. والخواء من فِعل دَوليشويَّة راسخة تُمعِن في تسويق أنها مؤتمنة وأمينة على الخاص تمهيداً للعام. إئتمانها وأمانها يتمترّسان في أنا انفعاليّ لا يفقه، لا الأمن القومي ولا الجيوبوليتيك، كما في أنا استعلائي حيناً، وترميميّ حيناً آخر، وانسحابي كثيراً ما الى ما يُهندِس صموده الشخصي وأزلامه، ولو أتى هذا الصمود على أشلاء الخيرِ الجماعي.
الدوليشويّة والخواء حليفان.
2- الدَّوليشويَّة والادّعاء!
في خواءِ السياسة وتجهيل الكفاءات ينتصر المدَّعون. في انتصارهم نحرٌ لمنظومة القِيَم السّامية والمصالح الجامعة. نحرُ القِيَم والمصالح الجامعة تحت مسمَّى العودة الى جذور توازناتٍ أفقدها وليُّ أمرٍ محنّك متمرّس عنيد، هذا النحر على كثيرٍ من توهّم استيلاد أفق. اللّاأفق يستجِرّ إدّعاءات متتالية، متّسقة ومتناقضة. إدّعاءات بنات اللحظة والمنزلقات التعبيريّة لضخّ مفاهيم تنويريّة وتنقويّة عرقية، تقتضي انكباباً على تفهّم الكنوز التي تختزنها، بل تختزلها. كثافتها تجعل من الانكباب عصيّاً على الإنتاجية. الكثافة النبويّة في عِلم السياسة عندنا يسمح بالتهنئة على الإنجازات إبّان حقبة انفلاش الخيبات. الدَّوليشويَّة والادّعاء حليفان.
3- الدَّوليشويَّة والارتماء!
في ادّعاء الإنجازات إبّان حِقبة تراكُم الفشل تتفاقم التبعيّة. والتبعيّة انسلاخٌ عن تقييم ما يجب أن نقوم به معاً، لصالح ارتماء في حيّز تصفيقٍ، وتبجيل، و"سوفيّة" المستقبل الآتي إلينا حاملاً هدايا إصلاحية افتراضية ومفترَضة. الـ"سوفيّة" إغداق وعودٍ، حتى الاستنزاف المفاهيمي والميداني، وتخديرٌ لإمكان انتفاضةٍ تغييرية على قاعدة أن "لا حول ولا قوة". وبالتالي الحاجة للاستنقاع في ديناميّة الدوران الفارغ تستحيل نهجاً خلاصيّاً ينبلج فجر ضميرٍ يشور على كلّ الضمائر، حتى أنه يُمسي مرجعها في اليمين واليسار والوسط. الدَّوليشويَّة والارتماء هناك عند صانعي اللّاواقع حليفان.
لبناني الحبيب، وأنا أعشق فيك جينات التأقلم في أولياءٍ ووليّ... أرجوك سامحنا حتى نتمكّن من إنهاء فينومينولوجيا الدَّوليشويَّة... عفواً حتى تُنهي هي نفسها بنفسها... مسار التاريخ بحسب هيغل حليفٌ للحقيقة والحقيقيّين!