البطريركية ملاذ المحطات الإستقلالية

هادي جان بو شعيا

3/4/2021 3:13:00 PM

كتب هادي جان بو شعيا:


عند انبلاج فجر جديد، ومنذ تأسيس لبنان الكبير قبل أكثر من قرن من الزمن، يتساءل اللبنانيون ما إذا كانوا يعيشون في دولة مستقلّة ذات سيادة وطنية وانتماء واحد. 


هذا السؤال تكرّر في أكثر من مناسبة حتى دخل الشك باليقين وبات يمتزج مع الحمض النووي للموروث الإجتماعي كيف لا وما شهد لبنان يومًا استقرارًا، نتيجة محطات واستحقاقات عدة، عصفت به على مدار عقود خلت. حيث ارتبط اسمه وهويته بشتّى المفردات التي تؤكد على "متلازمة التبعية" للخارج.


اقترن لبنان بتزاوج قسري من جهة، وتبعية طوعية من جهة أخرى، بدءًا من الاحتلال العثماني، مرورًا بالانتداب الفرنسي، وصولاً للوصاية السورية ومخلّفاتها لحتمية تنفيذ أجندات الخارج داخل لبنان وخارجه. 


 هذا الواقع دفع بمعظم اللبنانيين حتى لا نقول جميعهم للاعتقاد أن انتفاضة 17 تشرين الأول من العام 2019 التي ما لبثت أن تحوّلت إلى ثورة كانت إرهاصاتها تشير الى بداية الاستقلال الثالث. لكن سرعان ما تلاشت على وقع التهديد والوعيد والتهويل بالسلاح المتفلّت الذي قمع واعتقل وكمّ الأفواه وقتل في مهد ثقافة الدولة البوليسية.


كل هذا يعود بنا لاستذكار محطات تاريخية شهدت إستقلالاً تلوَ الآخر تحت "جلباب" البطريركية المارونية. ذلك أنها لم تقف على هامش صناعة التاريخ في لبنان، بل كانت غالبًا في صُلبه. 


وتبقى بصمات الكنيسة المارونية مطبوعة في دولة لبنان الكبير التي أُعلنت في العام 1920 بمساهمة أساسية من البطريرك الياس الحويك، ليتكرّس بعد الحكم العثماني الكيان اللبناني بحدوده الحالية. وعندما سُئل: لماذا ضممتَ مناطق ذات غالبية مسلمة إلى مناطق جبل لبنان المسيحية كان جوابه: "إن الطائفة الوحيدة لكل اللبنانيين هي لبنان". 


كما لم تتوقّف مساعي الكنيسة المارونية، إبّان الانتداب الفرنسي، من أجل تحقيق الاستقلال التام. وكان البطريرك أنطوان عريضة من أبرز الموقعين على عريضة تطالب بجمهورية لبنانية مستقلّة ما لبثت أن تحققت في العام 1943.


وبعد نحو ثلاثة عقود بعد الاستقلال، جاءت الحرب اللبنانية عام 1975 لتعيد تهديد الكيان اللبناني والاستقلال وليدخل لبنان بعدها تحت الوصاية السورية. إلا أن لتلك المرحلة بطريركها ايضًا وهو البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الذي سُمّي ببطريرك الاستقلال الثاني. والذي منح  بدوره الغطاء المسيحي لابرام إتفاق الطائف في السعودية عام 1989، ما وضع حدًّا لحرب لبنانية دامت 15 عامًا. حيث بدأ بعدها البطريرك صفير معركته ضدّ النفوذ السوري في لبنان، بعدما اخترق جدار الخوف في أوجّ الهيمنة السورية. فكان النداء الشهير للمطارنة الموارنة في العام 2000 الذي طالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان. 


 وبعد الإنسحاب، اتبع البطريرك صفير سياسة اللهجة عالية الصوت، منتقدًا حزب الله، الذي وصفه بالحالة الشاذّة وبأن سلاحه غير شرعي. 


أما اليوم، ها هو البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يُكمل مسيرة أسلافه البطاركة بالاستمرار في سياسة الدفاع عن لبنان وصون استقلاله. ليقول: "نظام الحياد ليس طرحًا طائفيًّا او فئويًّا او مستوردًا، بل هو استرجاع لهويّتنا وطبيعتنا اللبنانية الأساسية". 


ليُطلق عليه بطريرك الحياد الذي دعا إلى حياد لبنان كمدخل للخروج من أزماته، كما لم يُخفِ انتقاده لما بات يُعرف بالحالة الشاذّة لحزب الله. 


وكما توجّه البطريرك الحويك قبل أكثر من 100 عام إلى مؤتمر فرساي عام 1919، مناديًا باستقلال لبنان، يحاول البطريرك الراعي حمل قضية لبنان، اليوم، إلى المحافل الدولية، بعدما تعذّرت سياسات الإنقاذ الملتبسة في الداخل اللبناني التي تُطبق عليه سلطة فاسدة، مقيتة ومشوّهة. 


فهل تكون هذه الدعوة مدخلاً للإنقاذ ام ان لبنان الكبير طوى مئويّته الأولى ليَعبُر نحو لبنان آخر؟!
All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT