جمعت هذه التحركات أقصى تيارات اليمين مع أقصى تيارات اليسار من دون أن تتمكن من جمعهم فعلياً، فمَن يريد إسقاط الكل يعني الكل ومن يريد عودة البعض فقط البعض؟ ومَن يريد إبقاء النظام وإصلاحه ومن يريد إسقاطه عن بكرة أبيه؟ ناهيك عن من يريد الدولة وآخر يتمنى تفكيك أوصالها، وتالياً فإنّ ثورة مشرذمة الأصوات لا تستطيع التوحد تحت مظلة ولا يمكنها التغيير.

بدا هذا الأمر، داخلياً وخارجياً، غير مؤهل لأيّ تغيير سياسي، إقتصادي أو إجتماعي. فظهر مشهد تغييري مختلف متمركزاً في بكركي، المرجعية التي لا يمكن  التغاضي عن دورها الذي أثر  في نشوء دولة لبنان. هذه المرجعية يمكنها جمع ما لا يمكن جمعه وإيصال ما لا يمكن فعله من خلال تعدّد الاصوات وتشرذمها، ذلك بعد أن بانت تحركات الشارع كبرج بابل. 

اليوم، يبدو الصوت واضحاً مع مطالب بكركي وبنودها المحدّدة التي ليست بجديدة، فقد ارتكزت هذه البنود على روحانية شرعية العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان الصادرة عن المجمع البطريركي الماروني في العام 2009.

وأهم ما تجانست به المطالب البطريركية مع الشرعة هو المطالبة بالدولة المدنية والشفافية ومحاربة الفساد، إضافة الى تحييد لبنان عن الصراعات وعدم التمحور في أحلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على أرض لبنان، وعلى حسابه مع الحرص على الإنفتاح والتفاعل مع محيطه والعالم. هذا مع إيجاد حل للاّجئين وحصر السلاح في يد الشرعية اللبنانية.

 

لن ينتهي المشهد في الشارع قريباً، لكنّ المشهد الفعلي محط أنظار واهتمام مواقع القرار سيكون الصرح البطريركي. كما ستسعى بكركي الى الإستمرار في إيصال ما يريد كثيرون إيصاله، وما أرادت هي أيضا فعله منذ سنوات عبر الشرعة المذكورة أعلاه.

وسيساعدها في ذلك ما تملكه عكس المطالبات الأخرى، من صوت واضح ونغمة واحدة غير مشرذمة.