المٍنَصَّة... الكلام في الفَشَل يُسابِق الإطلاق
البروفسور مارون خاطر
5/11/2021 9:26:44 AM
يترقَّب اللبنانيون إطلاق المَصرِف المركزي منصَّتَهُ الثانية بعد تأجيل متكرر. تُشكِّل الأسباب اللوجستية والقانونية مبررًا لهذا التأجيل، إلا أنه يعود في الحقيقة لأسباب تمويلية قد تُهدِّد قابلية المشروع للحياة. المنصَّة الثانية نتاج اجتماع المتَّهم بتقويض استقرار لبنان الماليّ والنقديّ بمتَّهِميه. يَكتَنِفُ التحضير لإطلاق المنصَّة الكثير من الغموض ويترافق مع ندرةٍ في المعلومات مما يضع أي كلامٍ مرتبط بها في إطار تحليلي قد يكون مقصوداً. يَعكس التفاؤل الحَذِر الذي يواكب الإطلاق المُنتًظر فظاعة الأزمة وعمقها لناحية تعلُّق اللبنانيين بكل ما يمكن أن يشكِّل حلاً وإن كان يرتكز على معالجة نتائج الأزمة عوضاً عن علاج أسبابِها. فارتفاع سعر الصرف نتيجةٌ للتفلُّت السياسيّ والسياديّ والاقتصاديّ والماليّ والسوقيّ. إنه بالتالي نتيجةٌ للازمة وليس مسبباً لها. من المتوقَّع أن تواجه المنصَّة المرتقبة الكثير من العوائق التي تُضعف فاعليتها واستمراريتها وتَجعل فرص نجاحها ضئيلةً لكي لا نقول معدومة. أمَّا الأسباب التي قد تقود المنصَّة إلى الفَشَل المؤكد فنوردها كما يلي:
نبدأ من حياة اللبنانيين اليوميَّة حيث لا يشكل نجاح المنصَّة في خَفض سعر الصرف إلى عشرة آلاف ليرة، إن حَصَل، حلاً للوضع المعيشيّ المأزوم. لقد باتت الأزمة أكبر من أن تُحصر في موضوعٍ محدَّد فتُحَلُّ إن حُلَّ. أما السبب الثاني للفشل المتوقع، فمتعلِّقٌ بالتمويل وهو ما يشكِّل المعضلة الاساسيَّة التي تسببت بتأجيل الإطلاق. مَن سيموِّل المنصة؟ المصرف المركزي الذي لم يبقَ لديه من ودائعنا إلا ما يكفيه لتمويل التهريب أسابيع قليلة، أم المصارف التي امتَصَّت الدولار النقديّ انفاذًا للتعميم ١٥٤؟ هل سيتم المَسّ بالاحتياطي الإلزامي؟ في ظل عجز المصرف المركزي وامتناع المصارف واستمرار التهريب، لن يُكتب للمنصة الموعودة إلا الفشل. إنَّ نجاح المنصَّة مرتبطٌ بقدرتها على تمويل الفارق بين العرض والطلب مما يمنع السوق السوداء ومَن وراءها من التحكُّم بسعر الصرف. إلا أنَّ إيجاد تمويل للمنصَّة لن يَقيَها شرَّ الفشل المُحَتَّم إن استمرَّ التهريب وغابت الضَوابط. أما إنكار المصارف لدورها في امتصاص السيولة بالدولار الورقي، فأجابت عليه تعاميم المصرف المركزي المرتبطة بالمنصَّة والتي مَنَعَتها من شراء الدولار بالشيكات المحرَّرة بالليرة. نُشير الى أنَّ الاعتماد على زبائن المصارف لتمويل المنصَّة يبقى مستحيلاً ما دام سعر الصرف على السُّوق الموازية يفوق سعرها.
نَنتَقِل إلى السبب الثالث من أسباب الفشل المتوقَّع وهو مرتبط بعدم تمكُّن المصرف المركزي من إلزام المصارِف والصرَّافين بتطبيق الكثير من التعاميم والقرارات وعدم تمكُّنِهِ من مراقبة تطبيقها. كيف لمن ليس لديه القدرة على تطبيق "الدولار الطالبيّ" و"دولار العمَّال الاجانب" أن يضبط إيقاع سوق القطع المتفلِّتة بواسطة منصَّة؟ يُضعف إنشاء منصة جديدة القدرة على تحديد سعر مرجعيّ. مِن ناحية ثانية، لا يمكن السيطرة على سعر الصرف عبر تسجيل أسماء أصحاب العرض والطلب. لذلك، قد يكون للمنصَّة الجديدة حيثية تنظيمية إلا أنها لا يمكن أن تشكِّل بحد ذاتها حلاً مستداماً. يشكل التناقض بَين أهداف المنصَّة وأهداف مصرف لبنان السبب الرابع للفشل الموعود. فالمَصرِف المركزيّ يسعى من خلال المنصَّة إلى ضبط السيولة ومِن خلفها سعر الصرف في الوقت الذي يستعمل فيه السيولة نفسها في إطفاء الخسائر. إنطلاقاً مما تقدم لا تعدو المنصَّة كونَها وسيلةً لإمرار الوقت تُستأنف بعد الانتهاء منها عمليات شَطب الخسائر من أموال المودعين. أما السبب الخامس فمُتَعلِّق بِحَصر استعمال المنصَّة بعمليات التبادل التجاريّ والصناعيّ مما قد يهدد عودة الاستنسابية من قِبَل المصارف في التعامل مع الصناعيين والتجَّار أنفسهم. سيؤدي تمويل الأعمال التجارية عبر المنصَّة إلى خروج دائم للأموال من القطاع المصرفي الفاقد ثقة عملائه وإلى ازدهار التهريب في ظلِّ غياب قرار سياسي لضبط الحدود. في سياق متَّصل، نُشير إلى أنَّ قرار حَصر استعمال المنصَّة بفئة معيَّنة ملتبس، ويُكَرِّس وجود سوق موازية يلجأ إليها كل من تستثنيهم المنصَّة وحتى روَّادها يوم يُرفع الدعم أو تُعَدَّل السقوف.