ما هي الشروط للعبور نحو النظام الفدرالي في لبنان؟
إدغار قبوات
8/20/2021 12:53:45 PM
كتب المحامي إدغار قبوات في موقع mtv:
إن إعتماد المنتظم الفدرالي في لبنان كحل لمشكلة التعايش في المجتمعات المكونة من عدة طوائف إثنية او دينية او قومية او ثقافية او لغوية من شأنه تحقيق التلاحم بين البنانيين كافة، وليس العكس.
فانشغال الطوائف بإدارة مصالحها، في إطار الدول الفدرالية، يزيل قدر الإمكان اسباب الصراعات التي يمكن ان تنشب بينها، مهددة السلم الأهلي. وبنية الدولة الفدرالية تبدو مطابقة لبنية المجتمعات المتعددة الطوائف، وضامنة لحقوق وحريات الطوائف التي تكوّن الوحدات الإقليمية. فالإستقلال الذاتي لكل الطوائف، يسمح لها بإدارة شؤونها، وفق اساليبها الخاصة وضمان مصالحها، والتعبير عن طموحاتها، والمحافظة على خصوصياتها وتنمية نشاطاتها وإغناء شخصيتها. اما مشاركة الطوائف في ممارسة السلطة الفدرالية، بواسطة ممثلي الوحدات المحليّة على مستوى المؤسسات المركزية، فتشكل ضمانة الإستقلال الذاتي لهذه الطوائف، وتفترض المشاركة الفاعلة في إتخاذ القرارات المتعلقة بمصالحها المشتركة.
من ناحية ثانية، يمكن ان يشكل المنتظم الفدرالي ضمانة ايضا لبعض الأقليات المتواجدة في إقليم الدولة الفدرالية، والتي تشكل اكثرية في هذه او تلك من الدولة المتحدة، فتستفيد من الإستقلال الذاتي لهذه الدولة، لتضمن تحقيق مصالحها والمحافظة على شخصيتها، فتتصدّى لمحاولات تذويبها من قبل الطوائف التي تشكل اكثرية على صعيد المجتمع الشامل، اي المجتمع المتعدد الطوائف بكامله. مثلا، طائفة لا تشكل سوى سدس السكان في الدولة الفدرالية، يمكنها ان تكون ثلثي او ثلاثة ارباع السكان في إحدى المقاطعات المتحدة.
لقد اثبتت التجربة في العالم بأسره، انه لا يمكن إعتماد النظام الفدرالي الذي من شأنه تحقيق التعايش السلمي المرجو في إطار دولة مركزية إذا لم تتوافر بعض الشروط. اولا، من الناحية الجغرافية، إن طابع الفدرالية الإقليمية يفترض تمركز الطوائف إلى حدّ معيّن، في مناطق محددة جفرافيا. يفترض ذلك ان تكون الغالبية العظمى من كل طائفة مقيمة في منطقة محددة جغرافيا، وان تشكل اكثرية في المنطقة المقيمة فيها. فالكنديون المتّحدرون من اصل فرنسي، يتلاءم وضعهم مع الشرطين السابقين، ف 77% منهم تقريبا تقطن في إقليم الكيبيك ويشكلون داخله ثلاثة ارباع السكان.
من جهة اخرى، ثمة شرط نفسيّ لا بد من توافره ايضا، بحيث يجب ان تكون الطوائف مهيّة نفسيا لتقبّل الفدرالية. بتعبير آخر، يجب ان يكون للغالبية العظمى من افراد الطوائف، حسّ مدني فدرالي، وروح تعاون بنّاء وصادق، هادف إلى بناء الفدرالية.
لذلك، لا بد من تلطيف الحساسيات، والحدّ من عدم الثقة المتبادلة تقليديا، كشرط اساسي لإنجاح الحلّ الفدرالي. فحظوظ نجاح الفدرالية قليلة جدا في البلدان التي تكون الطوائف فيها في حالة صراع، وتسود فيها العلاقات الطوائفية عدم ثقة. إضافة إلى الشرطين السابقين، يفترض إختيار الفدرالية، كصيغة مؤسساتية لتعايش الطوائف، وجود مصالح مشتركة فيما بينها خاصة على الصعيد الإقتصادي. فشحّ الموارد الضرورية لعيش كل منها، يدفعها للتعاون بهدف تجاوز الصعوبات الإقتصادية.
اما من الناحية السياسية، فبما ان السياسة الخارجية والدفاعية تدخلان في إطار الصلاحيات المحفوظة للدولة الفدرالية، يفترض إعتماد الفدرالية في المجتمعات التعددية، توافقا تاما عليهما بين الطوائف.
غير انه، وفي حالات عدة، تقيم الطوائف علاقات تاريخية او إثنية او دينية او قومية مع قوى خارجية او مع دول خارجية. إن هذه العلاقات المميزة مع هذه او تلك من الدول، غالبا ما تتسبب بخلافات فيما بينها بالنسبة للسياسة الخارجية الواجب إعتمادها من قبل الدولة الفدرالية، وبالنسبة للسياسات الدفاعية ايضا، خاصة في المناطق التي يسودها توتّر، وتتمحور فيها الدول حول قوى متصارعة.
ولكي تتمكّن الفدرالية من تحقيق التعايش في المجتمع التعددي، يجب على الدولة الفدرالية ان تعتنق الحياد، وعلى الطوائف ان تضع حدّا نهائيا لعلاقاتها الخاصة والمميزة بالخارج، وان تعطي الأولوية لضمان مصالحها المشتركة، التي تؤمن بدورها المصالح الخاصة لكل منها.
عندما تتوافر هذه الشروط، وتنشأ الفدرالية، يجب ان تعامل الطوائف على قدم المساواة، لأن كل هيمنة سياسية او إقتصادية لواحدة منها على الآخرين، تهدد التناغم الذي يجب ان يسود المنتظم الفدرالي.