من الفدراليّة الشخصيّة الى الدولة الفدراليّة

إدغار قبوات

8/21/2021 10:15:00 AM

كتب المحامي إدغار قبوات في موقع mtv:

 

إن إعتماد الفدرالية ممكن في لبنان لإعتبارات عدة، لا سيما بفضل وجود المنتظم القانوني والتشريعي لذلك، والمكرس في الفدرالية الشخصية المعمول بها منذ دهور، وبفضل توافر جزء كبير من الشروط السالفة الذكر اعلاه.

 

فالفدرالية الشخصية هي منتظم دستوري قائم في إطار دولة موحّدة، وهي ترتكز على فلسفة تعددية، تتلخّص بأن المجتمعات السياسية، لا تتكوّن فقط من افراد عاديين، او مواطنين، إنما ايضا من جماعات بشرية لها خصوصياتها. يتم إنطلاقا من هذا الواقع الإعتراف بها دستوريا وسياسيا، فتعطى لها بعض الحقوق والضمانات، فيمنحها القانون شخصية قانونية، وتتحوّل إلى كيانات وسيطة بين السلطة السياسية العليا في الدولة الموحّدة والمواطن. فالفدرالية الشخصية تحافظ على تنوع الطوائف، كما تسمح لها من المشاركة في السلطة.

إذا، لا تتمتع كل مكوّنات الشعب اللبناني بقانون واحد وموحّد صادر عن السلطة التشريعية المركزية، وذلك في مسائل عدّة، الأمر الذي يساهم واقعا في تكريس الخصوصيات الثقافية المختلفة بين الطوائف كافة، لا سيما في الميدان القضائي، الديني والتعليمي. فاسبغ القانون اللبناني للطوائف اللبنانية المعترف بها شخصية حقوقية، وخصّ سلطاتها ببعض  الصلاحيات المتعلقة بتنظيم وإدارة شؤونها الداخلية، خاصة الدينية، منها الأوقاف والجمعيات الخيريّة والأحوال الشخصية.

 

تأسيسا على ذلك، تعترف قوانين الطوائف في الفدرالية الشخصية بحق إدارة شؤونها الخاصة. ففي لبنان مثلا، توفر القوانين المتعلقة بتنظيم الطوائف إستقلالا ذاتيا فعليا لها، فيما يختص بتنظيم شؤونها الدينية والإجتماعية والإدارية والمالية، كما تحافظ على تنوّع قوانين الأحوال الشخصية، لأنها تضعها على عاتق السلطات الروحية. فغالبية الطوائف في لبنان، تتحلّى بمحاكمها وقوانينها الخاصة في مجال الأحوال الشخصية.

 

اما بالنسبة الى حرية التعليم، فتحفظ الفدرالية الشخصية للطوائف حق إستخدام لغتها وتنمية ثقافاتها وإنشاء مدارس تابعة لها. ففي قبرص مثلا، إن دستور 1963 قد نص على "البت بالشؤون التربوية في مجلسين طائفيين منفصلين، واحد يوناني وآخر تركي"، اما في لبنان، فقد إعترف دستور 1926 في المادة العاشرة منه للطوائف بحق إنشاء المدارس الخاصة، ناهيك إلى ان الطوائف تشارك بشكل وازن في السلطة بواسطة ممثلين عنها.

يستفاد من ذلك، ان تطبيق الفدرالية الشخصية، من ضمن الدولة المركزية، يتناقض مع الهدف المرجو من هذا النظام، الا وهو تامين العيش المشترك والإنصهار الوطني بين المكوّنات الطائفية كافة. إن الفدرالية الشخصية، غير المقترنة بالنظام الفدرالي، تؤدي إلى تقاسم مغانم، وصراع سلطوي طائفي حادّ، اثبتت عبر التجربة عن مدى فشلها لعقود على الصعيد الوطني. تأسيسا على ذلك، المحافظة على الفدرالية الشخصية المتجذّرة في لبنان، بعد تطبيق نظام فدرالي جغرافي او إقليمي مقترن بالحياد، من شأنه ان يؤمن العبور الراقي إلى دولة الموحّدة الحقيقية، الغنية بتعدديتها وبإنصهار مكوّناتها الطائفية والثقافية.

 

لهذه الأسباب ينبغي الإنطلاق من الفدرالية الشخصية المكرسة دستوريا وقانونا في المنتظم التشريعي اللبناني، كجسر للعبور نحو الفدرالية كنظام سياسي بديل، وذلك،  تقويما للإعوجاع القائم على مستوى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين اللبنانيين، وصونا للعيش المشترك الحقيقي بين المكوّنات اللبنانية كافّة.

ختاما، إن اسس ومداميك الدولة الفدرالية قائمة في لبنان، ولا حاجة إلى إبتكار اسس جديدة كمدخل لإعتماد النظام الفدرالي. إنّ اعتماد الأقضية بعد تعديلها قليلا عند الحاجة من جهة، والإنطلاق من الفدرالية الشخصية وتثبيتها من جهة اخرى، هما ثابتتان تشكلان العمود الفقري للنظام الفدرالي الجديد، كونهما معمول بهما منذ سنوات جمّة، وإعتاد اللبنانيون عليهما.

 

فإذا كان القضاء الأساس الدستوري الذي يجب الإنطلاق منه لتحديد المقاطعات، فالفدرالية الشخصية تشكّل في لبنان حافزا فريدا من نوعه في هذا الشرق، وتتيح الإرتقاء إلى الدولة العصرية، الحامية للمكونات المجتمعية كافة، وذلك عبر كونها الجسم الوسيط المؤمّن لخط العبور الآمن من الدولة المركزية إلى الدولة الفدرالية.
All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT