بين إفلاس ديترويت وافلاس بيروت... ثقافة "المُساءلة" تُقابلها ثقافة "ما خلّونا"
فراس سليم
01/01/0001
كتب فراس سليم في موقع mtv:
لعّل ما يجمع بين ديترويت الأميركية وبيروت اللبنانية قاسماً مشتركاً هو إفلاسهما المعلن لدى الأولى والمبطًن لدى الأخرى. إذا كان إفلاس ديترويت قد نجم عن سوء الإدارة والسياسات المالية المبنية على السرف في الإنفاق وتنامي الاقتراض وضعف الايرادات، فإن إفلاس بيروت كان نتيجة حتمية لعامل رئيسي هو الفساد المستشري في الادارة العامة وعامل فرعي مساعد هو نموذج الاقتصاد اللبناني الذي يعتمد اعتماداً كلياً على التحويلات الخارجية لمدّ السوق بحاجته من العملات الأجنبية لشراء المحروقات والقمح والدواء والمستلزمات الطبية وغيرها.
وبعد قُرابة تسع سنوات عن إعلان إفلاسها لديونها المستحقة التي وصلت آنذاك الى 20 مليار دولار والعجز في ميزانيتها الذي بلغ 380 مليون دولار، ها هي ديترويت الاميركية تبني نفسها من جديد اقتصاديا وصناعيا وماليا واجتماعيا مدعومة بثقافة تحمل المسؤولية والمساءلة والشفافية.
ووقتذاك قال "ريك سنيدر"، حاكم ولاية "ميتشيجن" التي تتبع لها المدينة ادارياً في رسالة أرفقها بطلب إشهار الإفلاس أمام المحكمة إن "اشهار الافلاس يمثل الحل الوحيد الذي سيسمح لديترويت بأن تصبح مستقرة وقابلة للاستمرار". وأضاف "سيندر" حينها بأن "هذه هي الطريقة الوحيدة لانقاذ ديترويت خلال هذه الأزمة الاقتصادية التي تعصف بها، فنحن نحتاج إلى إعادة هيكلة المدينة".
وما أحوجنا في الوقت الحاضر الى ساسّة لبنانيين مسؤولين يستنبطون الحلول الهيكلية للنهوض ببيروت مجدداً مثلما نهضت ديترويت من جديد والتي هي اليوم مركزا لازدهار الشركات والابتكار وريادة الأعمال.
واعتماداً على ثقافة "ما خلونا"، تتقاذف الطبقة السياسية في لبنان اليوم مسؤولية التدهور الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي الذي تشهدها البلاد. أما وقد حصل لبنان في هذا الشهر على حقوق السحب الخاصة له والتي تصل الى 860 مليون دولار أميركي ستضاف الى حساب العملات الاجنبية لدى مصرف لبنان في منتصف شهر أيلول المقبل، على الدولة اللبنانية أن تستثمر هذا المبلغ بكل شفافية ومساءلة ومسؤولية في علاج أزمة الكهرباء التي بدورها ستحل أزمة القطاع الصحي والتعليمي والغذائي وغيرها من القطاعات الملّحة ذات الصلة المباشرة بأزمة الكهرباء.
وأخيراً، لا يجوز المس بالإحتياطي الإلزامي تحت أي ذريعة أو ظرف ومهما حاول البعض ابتكار الحجج لإجازة ذلك لأن القانون وبكل بساطة يمنع ذلك، ولو كان ذلك متاحاً لكان المشترع لحظه عند سنه لقانون النقد والتسليف، فما هو غير قانوني في الحياة الطبيعية يبقى مخالفاً للقانون في أيام الازمات أياً كان نوعها.
وبالمناسبة، إذا إلتأم المجلس النيابي وأقر قانون تخفيض الاحتياطي النقدي الإلزامي، يبقى المصرف المركزي في وضعية المخالفة القانونية إذا لم يُرجع فرق التخفيض إلى المصارف ويُلزمها برده الى المودعين، حيث يكفل الدستور حماية الملكية الفردية في الفقرة "و" من مقدمته التي تمنع أن يُنـزع عـن أحـد ملكـه وهو ما يتقاطع مع المادة 17 من شرعة حقوق الإنسان، التي شارك وزير خارجية جمهوريتنا المفكر اللبناني شارل مالك في إعدادها، التي تُهيب تجريد أحد من ملكه تعسفاً!