المارونية السياسية... عندما تتوه

إيلي فواز

01/01/0001

 

في نهايات القرن الماضي، لم تدرك المارونية السياسية معنى التغيير الآتي إلى العالم: سقط جدار برلين، وانهارت المنظومة السوفياتية على وقع بيريسترويكا غورباتشيف، وأصبحت الولايات المتحدة سيدة العالم من دون منازع. حتى من اعتبر في وقت من الاوقات انه على خلاف عقائدي وإيديولوجي مع الولايات المتحدة انصاع لأوامرها، ومن أوهم العالم أنه يقاتل إمبرياليتها، عاد وحارب معها جنباً إلى جنب في حرب الخليج الثانية.  ومن وقف بوجهها سحقته.

 

لم تعد الولايات المتحدة، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، بحاجة إلى بعض شركائها الذين استعملتهم في حربها الباردة، ولا إلى وسيط، واصبحت بتواصل مباشر مع العالم الاسلامي الغني بالطاقة.

 

لم تفهم وقتها المارونية السياسية معنى التحولات تلك، وظنت ان الولايات المتحدة الاميركية قد تضحي بمصالحها في العالم العربي من أجل جنرال صغير جداً ظن نفسه داوود في مواجهة غولياث العملاق، أو من أجل حفنة مسيحيين يتقاتلون في ما بينهم. ولم تعِ تلك المارونية السياسية أنه كان يجب إعادة اختراع دور جديد لها في الشرق الأوسط، أو على الأقل الاحتماء حتى مرور عاصفة التغيير الهوجاء. لم يستمع الجنرال حينها إلى نصح الموفدين الغربيين والعرب بضرورة إيجاد حل قبل فوات الأوان، وبضرورة التنحي. وسانده المسيحيون، أو أكثرهم، في تلك المغامرة المجنونة. وتحول قصر بعبدا منبراً يتبارى فيه الخطباء نهاراً، ومخيماً كشفياً ليلاً، يتحلق الناس فيه حول النار ويغنون أغنيات ثورية  في مشهد سوريالي لانتحار جماعي، حتى أتى الأمر بإنهاء تلك الملهاة،. فكان أن سلمت الإدارات الاميركية المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي، لبنان، إلى سوريا الأسد، والذي أمن استقراراً ما، رضيت عنه الولايات المتحدة في منطقة كثيرة التعقيد.

 

هل كان من الممكن تفادي المحن التي عاشها مجتمعنا في نهايات القرن الماضي؟ هل كان من الممكن مفاوضة الولايات المتحدة من أجل حل يحفظ للمسيحيين دوراً أكبر في بناء دولة الطائف؟ هل كان يمكن لتلك المرحلة أن تمر من دون تهميش فئة من الشعب، لو أن القيادات المارونية فتشت عن حل مع القيادات المسلمة يرضي الجميع؟

كل هذا كان ممكناً ربما، لو كانت هناك قراءة معمقة لتحولات العصر الكبيرة، ولكن للأسف همُّ قادة الموارنة في حينه كان في مكان آخر لا يتسع  للفكر. وكيف للفكر أن يسمع صوته في ظل انتفاضات الأخوة الدموية على بعضهم البعض وحروبهم الإلغائية.

 

استحضار التاريخ هذا ليس مجرد تمرين على جلد الذات، إنما لان المارونية السياسية تراها تائهة مجدداً في نقاش غير مجدٍ حول تمثيل "مسيحي" أفضل، في انتخابات نيابية قد لا يجد الغرب وقتاً للاهتمام بتفاصيلها، بما أن المنطقة وناسها أمام متغيرات إقليمية كبيرة سيكون لها تأثير عميق على مستقبل الشرق الأوسط.

 

فالبحث بين أقطاب الموارنة يجب أن يتمحور قبل كل شيء حول تثبيت وتطبيق وحماية مبدأ الطائف القائم على فلسفة العيش المشترك، بدلاً من التلهي في مناقشة وتبني قانون عنصري سمي زوراً بالأرثوذكسي. البحث في بكركي يجب أن يتمحور حول اقتراح آلية لتسليم سلاح حزب الله وكل سلاح غير شرعي إلى الدولة، وأيضا حول الأزمة الاقتصادية وكيفية الخروج منها من جلب استثمارات المغتربين، أو حول ضرورة المضي بالخصخصة واللامركزية الإدارية كحل للقضاء على بعض الفساد، وحول الدفاع عن مصالح لبنان المصرفية التي تتعرض كل يوم لهجوم عنيف من جمعية" متحدون ضد ايران النووية" (والحكومة غائبة عن هذا الملف الخطير جداً)، البحث يجب أن يتمحور حول تأمين فرص عمل ومسكن للشباب الذي يسعى للهجرة، أي بكلام تطبيق عملي للإرشاد البابوي الأخير.

 

ولأن السؤال الوحيد المطروح اليوم أمام العصبيات الفالتة من عقالها والأصوليات التي ترى فرصتها سانحة في التسلل إلى داخل المجتمعات العربية الثائرة، لا يتمحور حول التمثيل المسيحي وصحته، بقدر ما يتركز حول قانون يمكنه أن يمثل الاعتدال السني والاعتدال الشيعي قبل أي شيء آخر، لأنه ماذا يكسب المسيحيون إن ربحوا قانوناً ينتخبون فيه أكثرية نوابهم وخسروا الاعتدال المسلم؟ وقانون النسبية يا سيد بكركي لا يؤمن هذا المبتغى بل عكسه تماماً.

 

ولكن "مارتا يا مارتا، انت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، والمطلوب واحد".

All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT