ملحم الرياشي إبنُ الهويّة
جورج شبلي
2/25/2022 2:39:13 PM
كتب الدكتور جورج شبلي:
لستُ، هنا، في موضعِ مَدح، فزمنُ المدائحِ ولّى...
ولستُ، أيضاً، أُثيرُ، في شهادةِ حياة، ما للرَّجلِ من مزايا تبدَّت في مراحلِ حياتِهِ، ونضالِه، والمزايا كثيرة.
لكنّني سأُقاربُ خصائصَ ملحم الرياشي أديباً، ووطنيّاً وفيّاً، ومسؤولاً نزيهاً، في جدّتِها، وقرابتِها من القيمة.
هو يؤمنُ بالكلمة، وهلِ الكَونُ إلّا فيضٌ منها ؟ والكلمةُ كانت، معه، جسرَ عبورٍ لإِبداعاتِهِ من الممكنِ الى الفعل، يفعلُ بها فِعلَ الخَلقِ، إذ يُبرِئُ من عَدَم، ولكن بدونِ أوجاع. وإذا عايَنتَ ما في زوايا نِتاجِهِ من خبايا، لَبانَ لكَ تطويعُ البلاغةِ الأنيقةِ في حلاوةِ تعبيرٍ، فَبينَه وبينها طِيبُ صِلَة. ولا عجبَ من هذا التأنّقِ المُتماسِكِ في محاسنِ البيان، الى حدِّ الدّهشة، فالجَمالُ في الفصاحةِ خَفيفُ المَحملِ على مَنِ اعتادَ أن يرسمَ اليواقيتَ بالقلم، فلا تسقطُ كلمةٌ من محصولِ كلامِهِ إلّا في خزانةِ الإمتاع.
هو المُفَكِّرُ الذي لم يَفتُرْ نورُ عقلِهِ عن بلوغِ مرحلةِ تَمامِ الوَعي، فالفكرُ هو ركيزةُ الحقيقةِ عند الرياشي، وهو مرتبطٌ، حُكماً، بالحريّة. والمعادلةُ الرّاسخةُ، لديه، هي أنْ لا فكرَ بِلا حريّة، ولا حريّةَ خارجَ أُطُرِ الفكر. من هنا، كانت ميزةُ ملحم الرياشي أنّه داعيةٌ للحريّة، فهي ليسَت أسطورةً مُتعِبَةً، ولا هي مرتبةً رمزيةً يُغَلّفُها الغموض، إنّها، في قناعتِهِ، وممارستِهِ، ومواقفِهِ، تَلَمُّسُ الطريقِ الى الثّقةِ للتفوّقِ على الخَوف. لقد نادى ملحم بالحريّةِ في كلِّ مَحفَل، لأنّه تَصَوَّرَها في عُمقِ كلِّ فكرٍ، وخُلُق، حتى لكأنّنا، عندما نُصغي إليه، نسمعُ الحريّةَ تقول: أنا المُتَكَلِّمةُ فيك.
الوطنُ، في منبريّةِ ملحم الرياشي، له طَعمُ الخلود، حملَهُ في مواقفِهِ أُطُرَ دولةٍ حديثةٍ لم يكنْ، هو، مُجرَّدَ قاطِنٍ في هيكلِها، أو مُتَفَرِّجٍ على ضفّةِ بِركتِها الرّاكدة، فالوطنُ هو البيئةُ الطبيعيةُ لملحم، يختنقُ خارجَها، ولا ينتظمُ فِكرُه، ووجودُهُ، إلّا في إطارِها. لقد رفضَ ملحم رياشي أن يُبادَ الوطنُ بالأوجاع، وأن تَصفَرَّ عيناهُ بالحزن، وأن ينفخَ في رئتَيهِ عَصفُ الموت، وأن تَقطَعَ عُنُقَه مناجلُ الحقد، فتصدّى، مع السياديّينَ من الأوفياء، لمؤامرةٍ تقودُها قوافلُ الهَمَج، ويروِّجُ لها بعضُ مَنْ باعوا الوطنَ، ويتربَّعونَ فوقَ الكراسي، وهم قوالبُ جَهلٍ، وخيانةٍ، تَنتَعِلُ أَلقاباً. وقد ساهمَ ملحم، في سلوكيّاتِهِ، في توجيهِ النَّظَرِ الى ما يسودُ البلادَ من ظلمٍ، وقهرٍ، وقد باتَت، بذلك، مجروحةَ القلب، ومطعونةَ الكرامة، وباتَ ضرورياً، بالتالي، هَدمُ هذه العصابةِ التسلّطيةِ، لينتقلَ لبنانُ من مطمرِ الوحلِ الى مِطَلِّ النّور.
في موسمِ المسؤوليةِ العاقِر، حيثُ الفاسدُ متبوع، وملازمةُ النّزيهِ في زُهد، كان ملحم الرياشي محاولةً بارعةً في عِلمِ المسؤولية، يُحكَمُ لها بالفَضل، لأنّ صاحبَها كان أَعرَفَ القادِرينَ على مواكبتِها بجرأةٍ، وشفافيّة، وعلى مواجهةِ عَقَباتِها، ومساربِها، مُتَلَمِّساً الإتّجاهَ الذي لا يوجدُ فيه إلّا المياهُ العَذبَة. وهذا، لم يكنْ وليدَ المصادفة، بل بفَهمٍ، وقَصدٍ، هما مِعيارا بُلوغِ الأهداف، لذا، لم يَفِضْ نجاحُ ملحم الرياشي في تَبَوُّئِهِ مسؤوليّةَ وزارةِ الإِعلام، من فَوق والذي اراد الغاءها لصالح وزارة حوارٍ وتواصل. والحقيقةُ أنّ الشَّوكَ، والصّعوباتِ، والضارَّ الكثيرَ، كانت حائطَ صَدمٍ، لطالما جَرَّ مواجِهَهُ الى الفشل، غيرَ أنّ مَنْ كان مَهدُهُ جَبَليّاً، مثلَ ملحم، لا يَخفى، عنّا، أَثَرُ الصّلابةِ والعَزمِ، في أدائِه، وكذلك، النّزعةُ الى النّجاح. من هنا، لم يكنْ رياشي خاضعاً لِما يُسَمّى التّقليد، أو الإنتحاءُ الذي تفرضُهُ أجهزةٌ وظائفُها مشبوهة، لكنهُ كان يتّخذُ مبادراتٍ متطوِّرَةً، بالرَّغمِ من ضيقِ الإمكانيّات، ومن بعضِ التَّطويق، وكُنّا، بذلك، نَجِدُ، أمامَنا، " الرياشي النَّفور " وليس " الرياشي الآلة "، ما فتحَ له بابَ الحَظوةِ التي أغدقَها الناسُ عليه، ومردُّها الى اعتبارِ هذا المسؤولِ النّشيطِ جديراً بالتَّقدير، وليسَ بالمساندة.
ملحم رياشي المُتَشَيِّعُ لِآلةِ العقل، دِينُهُ السّلامُ لا الفِتَن، لذلك، لم يكنْ من صُنّاعِ العواصف، ولا من عُبّادِ الأصنام، ولم يكنْ له شُغلٌ مع الوطنِ بغيرِ العِبادة. من هنا، فإنّ ابتهاجَنا بترشيحِه الى النّدوةِ البرلمانيّة، ليسَ في غيرِ مكانِه، بقَدرِ ما نجدُ فيه مُكَوِّناً وطنيّاً لرَجُلٍ صالحٍ يمكنُ أن يُحدِثَ، مع سواهُ مِمَّن لم يعتادوا على طأطأةِ الجبين، صدمةً نوعيّةً، هي صرخةٌ لها صَدىً، تُعيدُ الى الوعيِ الشَّعبيِّ أنّ الوطنيّةَ قيمةٌ مُلزِمةٌ تَمَسُّ شَرَفَ المواطنِ، واعتزازَ الوطنِ به، وأنّ الإخلاصَ للهويّةِ وللأرضِ بابٌ من أبوابِ الجَنّة.
لستُ، هنا، في موضعِ مَدح، فزمنُ المدائحِ ولّى...
ولستُ، أيضاً، أُثيرُ، في شهادةِ حياة، ما للرَّجلِ من مزايا تبدَّت في مراحلِ حياتِهِ، ونضالِه، والمزايا كثيرة.
لكنّني سأُقاربُ خصائصَ ملحم الرياشي أديباً، ووطنيّاً وفيّاً، ومسؤولاً نزيهاً، في جدّتِها، وقرابتِها من القيمة.
هو يؤمنُ بالكلمة، وهلِ الكَونُ إلّا فيضٌ منها ؟ والكلمةُ كانت، معه، جسرَ عبورٍ لإِبداعاتِهِ من الممكنِ الى الفعل، يفعلُ بها فِعلَ الخَلقِ، إذ يُبرِئُ من عَدَم، ولكن بدونِ أوجاع. وإذا عايَنتَ ما في زوايا نِتاجِهِ من خبايا، لَبانَ لكَ تطويعُ البلاغةِ الأنيقةِ في حلاوةِ تعبيرٍ، فَبينَه وبينها طِيبُ صِلَة. ولا عجبَ من هذا التأنّقِ المُتماسِكِ في محاسنِ البيان، الى حدِّ الدّهشة، فالجَمالُ في الفصاحةِ خَفيفُ المَحملِ على مَنِ اعتادَ أن يرسمَ اليواقيتَ بالقلم، فلا تسقطُ كلمةٌ من محصولِ كلامِهِ إلّا في خزانةِ الإمتاع.
هو المُفَكِّرُ الذي لم يَفتُرْ نورُ عقلِهِ عن بلوغِ مرحلةِ تَمامِ الوَعي، فالفكرُ هو ركيزةُ الحقيقةِ عند الرياشي، وهو مرتبطٌ، حُكماً، بالحريّة. والمعادلةُ الرّاسخةُ، لديه، هي أنْ لا فكرَ بِلا حريّة، ولا حريّةَ خارجَ أُطُرِ الفكر. من هنا، كانت ميزةُ ملحم الرياشي أنّه داعيةٌ للحريّة، فهي ليسَت أسطورةً مُتعِبَةً، ولا هي مرتبةً رمزيةً يُغَلّفُها الغموض، إنّها، في قناعتِهِ، وممارستِهِ، ومواقفِهِ، تَلَمُّسُ الطريقِ الى الثّقةِ للتفوّقِ على الخَوف. لقد نادى ملحم بالحريّةِ في كلِّ مَحفَل، لأنّه تَصَوَّرَها في عُمقِ كلِّ فكرٍ، وخُلُق، حتى لكأنّنا، عندما نُصغي إليه، نسمعُ الحريّةَ تقول: أنا المُتَكَلِّمةُ فيك.
الوطنُ، في منبريّةِ ملحم الرياشي، له طَعمُ الخلود، حملَهُ في مواقفِهِ أُطُرَ دولةٍ حديثةٍ لم يكنْ، هو، مُجرَّدَ قاطِنٍ في هيكلِها، أو مُتَفَرِّجٍ على ضفّةِ بِركتِها الرّاكدة، فالوطنُ هو البيئةُ الطبيعيةُ لملحم، يختنقُ خارجَها، ولا ينتظمُ فِكرُه، ووجودُهُ، إلّا في إطارِها. لقد رفضَ ملحم رياشي أن يُبادَ الوطنُ بالأوجاع، وأن تَصفَرَّ عيناهُ بالحزن، وأن ينفخَ في رئتَيهِ عَصفُ الموت، وأن تَقطَعَ عُنُقَه مناجلُ الحقد، فتصدّى، مع السياديّينَ من الأوفياء، لمؤامرةٍ تقودُها قوافلُ الهَمَج، ويروِّجُ لها بعضُ مَنْ باعوا الوطنَ، ويتربَّعونَ فوقَ الكراسي، وهم قوالبُ جَهلٍ، وخيانةٍ، تَنتَعِلُ أَلقاباً. وقد ساهمَ ملحم، في سلوكيّاتِهِ، في توجيهِ النَّظَرِ الى ما يسودُ البلادَ من ظلمٍ، وقهرٍ، وقد باتَت، بذلك، مجروحةَ القلب، ومطعونةَ الكرامة، وباتَ ضرورياً، بالتالي، هَدمُ هذه العصابةِ التسلّطيةِ، لينتقلَ لبنانُ من مطمرِ الوحلِ الى مِطَلِّ النّور.
في موسمِ المسؤوليةِ العاقِر، حيثُ الفاسدُ متبوع، وملازمةُ النّزيهِ في زُهد، كان ملحم الرياشي محاولةً بارعةً في عِلمِ المسؤولية، يُحكَمُ لها بالفَضل، لأنّ صاحبَها كان أَعرَفَ القادِرينَ على مواكبتِها بجرأةٍ، وشفافيّة، وعلى مواجهةِ عَقَباتِها، ومساربِها، مُتَلَمِّساً الإتّجاهَ الذي لا يوجدُ فيه إلّا المياهُ العَذبَة. وهذا، لم يكنْ وليدَ المصادفة، بل بفَهمٍ، وقَصدٍ، هما مِعيارا بُلوغِ الأهداف، لذا، لم يَفِضْ نجاحُ ملحم الرياشي في تَبَوُّئِهِ مسؤوليّةَ وزارةِ الإِعلام، من فَوق والذي اراد الغاءها لصالح وزارة حوارٍ وتواصل. والحقيقةُ أنّ الشَّوكَ، والصّعوباتِ، والضارَّ الكثيرَ، كانت حائطَ صَدمٍ، لطالما جَرَّ مواجِهَهُ الى الفشل، غيرَ أنّ مَنْ كان مَهدُهُ جَبَليّاً، مثلَ ملحم، لا يَخفى، عنّا، أَثَرُ الصّلابةِ والعَزمِ، في أدائِه، وكذلك، النّزعةُ الى النّجاح. من هنا، لم يكنْ رياشي خاضعاً لِما يُسَمّى التّقليد، أو الإنتحاءُ الذي تفرضُهُ أجهزةٌ وظائفُها مشبوهة، لكنهُ كان يتّخذُ مبادراتٍ متطوِّرَةً، بالرَّغمِ من ضيقِ الإمكانيّات، ومن بعضِ التَّطويق، وكُنّا، بذلك، نَجِدُ، أمامَنا، " الرياشي النَّفور " وليس " الرياشي الآلة "، ما فتحَ له بابَ الحَظوةِ التي أغدقَها الناسُ عليه، ومردُّها الى اعتبارِ هذا المسؤولِ النّشيطِ جديراً بالتَّقدير، وليسَ بالمساندة.
ملحم رياشي المُتَشَيِّعُ لِآلةِ العقل، دِينُهُ السّلامُ لا الفِتَن، لذلك، لم يكنْ من صُنّاعِ العواصف، ولا من عُبّادِ الأصنام، ولم يكنْ له شُغلٌ مع الوطنِ بغيرِ العِبادة. من هنا، فإنّ ابتهاجَنا بترشيحِه الى النّدوةِ البرلمانيّة، ليسَ في غيرِ مكانِه، بقَدرِ ما نجدُ فيه مُكَوِّناً وطنيّاً لرَجُلٍ صالحٍ يمكنُ أن يُحدِثَ، مع سواهُ مِمَّن لم يعتادوا على طأطأةِ الجبين، صدمةً نوعيّةً، هي صرخةٌ لها صَدىً، تُعيدُ الى الوعيِ الشَّعبيِّ أنّ الوطنيّةَ قيمةٌ مُلزِمةٌ تَمَسُّ شَرَفَ المواطنِ، واعتزازَ الوطنِ به، وأنّ الإخلاصَ للهويّةِ وللأرضِ بابٌ من أبوابِ الجَنّة.