إنفصام عام في الشخصية... أم غشٌ متعمّد؟

سركيس نعوم

01/01/0001

من يسمع "الرؤساء الثلاثة" والاعضاء في مجلسي النواب والوزراء يتحدثون في الداخل والخارج عن اوضاع لبنان وشعوبه وخصوصاً في اجتماعات رسمية وزيارات ومناسبات كما في لقاءات مع المغتربين اللبنانيين، من يسمعهم يخرج بانطباع من اثنين. الأول، هو ان حكام لبنان وزعماءه وسياسييه واحزابه ومرجعياته الروحية كما مؤسساته واداراته المتنوعة والقيمين عليها يعانون مرضاً من اثنين: الأول، انفصام تام في الشخصية يجعلهم يعون في اوقات معينة حقيقة بلادهم المصلوبة مع شعوبها منذ عام 1975، بل منذ الاستقلال، كما يجعلهم في اوقات أخرى مقتنعين بأن شعوبهم شعب واحد وانه يعيش في دولة عادلة وقوية وديموقراطية وبأن القانون هو الحَكَم بين الجميع، وان اكبر نعمة منحهم اياها الله هي "عيشهم المشترك" في ظل القيادة الرشيدة والمعصومة لكل المرجعيات المشار اليها اعلاه. اما المرض الثاني، فهو ان كل هؤلاء لا يشكون انفصام، ويعرفون حقيقة الأوضاع في بلادهم واسباب تفجُّرها المتقطع المرشح لأن يتحول دائماً. بل يشكون اموراً عدة مثل العجز عن القيادة وعدم التحلي بالاقدام والجرأة والشجاعة، مع اعتبار ذلك حكمة. والانطباع الثاني هذا خطير لأنه يعني ان المرجعيات المتنوعة لم تكن في الماضيين القريب والأبعد ولا في الحاضر ولن تكون مستقبلاً، هي أو ورثتها، صادقة في الكلام "الحلو والمنمّق وغير الحقيقي عن لبنان. ويعني أيضاً ان جل همها كان ولا يزال الاستمرار في السلطة، وفي جني مكاسبها على أنواعها، وفي تحميل الغير، الأجنبي أو الشقيق، داخلاً وخارجاً، مسؤولية الأوضاع الصعبة لبلادهم وشعوبها. ويعني أخيراً وفي صريح العبارة ان المرجعيات المشار اليها اعلاه تتعمد "غشّ" اللبنانيين المقيمين في بلادهم، واستدراج اللبنانيين المغتربين للوقوع في فخّ لبنان الذي تصوِّره لهم على غير حقيقته، متجاهلة ان الصدمة أو الخيبة قد تقضي على أي صلة لهم بوطنهم الأم، وخصوصاً اذا اكتشفوا، واظن انهم اكتشفوا، ان غالبية من يثير موضوعهم تهتم أولاً وثانياً وثالثاً "بِحَلْب بقرتهم" وتهتم رابعاً باصوات من يستطيعون أن يشاركوا في الانتخابات النيابية، ولكن من لبنان وليس من أماكن انتشارهم.طبعاً لم أتطرق الى هذا الموضوع لأنني افتقد موضوعاً أكتب عنه. ولا لأن التشاؤم جزء مني كما يعتقد البعض، ولا لأنني "طرف" في اي نزاع شخصي مع أي من المرجعيات الحالية والسابقة و"اللاحقة"، بل لأن الأسابيع الأخيرة حفلت بأمرين مهمين ومتناقضين: الأول، زيارة البابا الكاثوليكي بينيديكتوس السادس عشر لبنان، والقمة الروحية الاسلامية - المسيحية اللبنانية، وجولة جديدة في "الحوار الوطني"، وجولة جديدة لا نعرف رقمها من الزيارات الرئاسية الجمهورية والحكومية. وتخلل هذه المناسبات كلها كلام يجعل اللبنانيين يعتقدون ان كل ما قيل فيها يتناول وطناً آخر غير لبنان، ودولة أخرى غير دولته، وشعباً آخر وليس شعوبه. أما الأمر الثاني، فهو الواقع الفعلي الذي يعيشه اللبنانيون، وهو يشير الى انهم: أولاً، في حال حرب أهلية غير عسكرية أو أمنية حتى الآن. وثانياً، الى انقسامهم فريقين، مع الثورة السورية ومع نظام الأسد، ودافع غالبية كل منهما مذهبي فقط. وثالثاً، الى انحلال دولتهم واهتراء مؤسساتها، وتحولها هياكل عاجزة عن القيام بأي أمر سواء في الأمن أو في القضاء أو في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية إلا بعد رضى قوى الأمر الواقع في الداخل، وهي كثيرة، وقوى الخارج وهي أكثر. ورابعاً، الى ان الوضع الاقتصادي في لبنان لن يبقى عصياً على الإنهيار في ظل توسع الفقر والغنى الفاحش وعدم وجود الضابط، أي الدولة.وكي لا يبقى هذا الكلام تنظيراً نورد الآتي: ان لبنان الآن ليس "رسالة"، بل يجب أن يكون "رسالة" وان الذي أيقظ الاصوليات ليس "الربيع العربي" بل عقود من الديكتاتوريات العسكرية والمذهبية، وبرضى الغرب بل العالم عنها، فضلاً عن أن لبنان لم يستعد استقراره أخيراً بقواه الذاتية (اللبنانيون يعرفون ذلك). أما "الحياد" الذي اتفق عليه المتحاورون فلم يُنفذ. كما أن النأي بالنفس هو نأي السلطة بكل مؤسساتها عن حل المشكلات والأزمات الداخلية وليس عمّا يجري حول لبنان من مآس. ويعرف ذلك جيداً من اخترعوا هذا الشعار... إلى آخر ما هنالك من "شواهد".

All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT