قدود حلبيّة...
01/01/0001
ما أشبه سوريا اليوم بعراق الأمس... بات مشهد القتلى، أطفالاً ونساءً ورجالاً، معتاداً ولا يحتلّ، بالضرورة، موقع الصدارة في نشرات الأخبار التلفزيونيّة. مشاهد، إذا أضيفت إليها صور الدمار في أكثر من مدينة سوريّة، آخرها حلب، قادرة على أن تهزّ وجدان أيّ إنسان. مشاهد تبقى أكبر من "الثورة" ومن "النظام"...
لم يعد يجدي الكلام عن نهاية قريبة لما يحصل في سوريا تفضي الى بقاء "نظام الأسد"، كما لم يعد يجدي الكلام عن مواعيد تتأجل منذ أكثر من عام عن سقوط هذا النظام. ثمّة من يتفرّج وينظّر، ويدعو الى مؤتمرات ويعدّ المؤامرات، بينما تدمّر سوريا، دولةً وتراثاً وقيماً، بشراً وحجراً.
لسنا هنا في مجال تحديد المسؤوليّات، وحبّذا لو يحجم القرّاء، في تعليقاتهم، عن ذلك. نحن هنا لنبكي على سوريا. لنندب وطناً يدمّر. لنرثي آلاف الضحايا الذين سقطوا. لنقف على أطلال أبنية معمّرة دمّرت بالكامل. لنتحسّر على تراثٍ نادر ضاع بين دمارٍ وسرقة...
يذكّرني ما يحدث في سوريا اليوم بما كان يقال لنا نحن اللبنانيّون في زمن حربنا "الأهليّة". "مش عارفين قيمة بلدكن" كان يقال لنا. وقع السوريّون في الخطأ نفسه، بل الخطيئة نفسها.
ليسوا يعرفون قيمة تراثهم الذي يعود الى مئات السنين والذي دمّر في أيّام. كأنّ الناس تخدّروا بأفيون المذهبيّة الذي يعمي القلوب والعيون بدل أن يعزّز القيم ويوسّع الآفاق.
وكأنّ الجميع، موالاة ومعارضة، سلّموا رقابهم لفريقَي الخارج، يمدّ كلّ منهما "جماعته" بالسلاح والمال. خذوا ما شئتم من السلاح واقتلوا بعضكم بعضاً. غداً، بعد شهرٍ، بعد سنة، بعد عقد، نصنع لكم "طائفكم" فوق الأنقاض والجثث. لم يتعلّم السوريّون من التجربة اللبنانيّة، وقد كانوا شركاء فيها، كما لم نتعلّم من تجربة أحد، ولن.
هل يعلو، بعد، صوت صباح فخري من تحت الدمار في حلب ليشدو "خمرة الحبّ اسقنيها، همّ قلبي تنسنيه. عيشة لا حبّ فيها، جدول لا ماء فيه"؟
لا ماء في جداول حلب هذه الأيّام، ولا حبّ، ولا سلام، الى أن يستفيق الجميع في سوريا. وهم ما عادوا استفاقوا منذ أيّام "صحّ النوم"...