عودة شريعة الغاب

جورج شبلي

01/01/0001

 

نّ فرض قانون "البقاء للأقوى" جعل مشاهد الرّعب تطلّ من عيني الوطن، وأخضع المجتمع لمنظومة بشعة مختلفة عمّا اعتاده العقل من معادلة الحقّ والحريّة والمساواة. فسادت شرعة قايين وفرضت طقوسها من جديد على مساحة النّاس، إجراما همجيّا على يد فقهاء النّحر وطفّار الفظائع ونجوم الجهاد والممانعة، أولئك المفتونين بشهوة الدّم وثقافة السكاكين.

 

لقد عادت الى واجهة السّاحة في لبنان هستيريا التفجيرات الآثمة التي أودت بالّلواء الحسن، وبالأبرياء من أبناء الأشرفيّة. والجريمة هذه مذيّلة بتوقيع بات مألوفاً، توقيع متكرّر لسفّاح حاقد واحد، وغول عنفيّ "تصفويّ" تراكمت ضحاياه بأدوات اغتيال نمطيّة. وهو يتقمّص دور المدّعي والقاضي والمنفّذ للحكم من خلال عملاء له بلديّين مزوّدين بوسائل تقنيّة متطوّرة ترصد من صدر به قرار بالتّصفية، وتستغلّ ثغرة ووقتاً مناسباً للإجهاز عليه من دون تردّد.

 

إنّ غرفة العمليّات في مجتمع الغاب أو مجتمع الإغتيال المدمّر للحياة، تلجأ الى أسوأ أنواع العقاب والإبادة وطوفان الدّم، وبأسلوب العنف المزمن، هادفةً الى قمع أفقيّ وعموديّ يهزّ العلاقة بين الإرادة والرّفض، بين الجبين وطعم العزّة، وبين اللّسان وقولة "لا".

 

أمام هذه الوحشيّة القاتلة، جرت العادة أن يبتلع ذوو الضحايا المسكّنات من تصريحات مهدّئة ومن توجيهات تدعو الى خفت ردّات الفعل، وسرعة كمّ الحناجر. أوليس هذا المشهد ما يسوّغ عمليّات التصفية ويؤصّل شرعة الغاب ويستجدي القتلة للضّرب من جديد؟ أمّا السّبب الكلاسيكي الجاهز فهو الخوف من الفتنة، وكأنّ المثبتة أسماؤهم على لوائح الجلاّد هم الذين يدفعون إليها، وليس الجلاّد نفسه. أما آن الأوان لتغيير قواعد الّلعبة والإنقلاب على مرافقة الرّفات الى المقابر، بسحب الإمتياز من غلاة المجرمين، وبتجديد صلاحيّة المواجهة، وبصيانة إرادة الحياة، وتعميم هذه الصّورة لتصطبغ بها مكوّنات النسيج الوطني؟ أما حان الوقت ليختلّ الهرم التصفوي أو وكر الشّيطان، بعدما أعدنا إنتاجه مرّات ومرّات، بتسطيح رقابنا تحت شفار المقاصل ونصال خلل الحراك وقزميّة القبول؟ ألم تدقّ ساعة ترميم آليّات

العطش الى الكرامة، وبعث خبرتنا التراكميّة في تفتيق أقبية القهر والتطويع ودحر جولات القمع؟

 

ولمّا كان المجرم لا يملك حقّ التصرّف بحياتنا، فلا جواز بعد للغيبوبة أو القلق، ولا ترحيل للنّضال الى زمن آخر. ولمّا كنّا لا نفتقد بالأمس إلى قادة تاريخيّين حقّقوا بجرأتهم منجزات غير اعتياديّة، فالمطلوب اليوم أن تنتقل "تاريخيّة" أولئك بالعدوى الى قادتنا في السّاحة الحاضرة لتوحيد القرار والنهج، وللمبادرة الى التصدّي للجبناء المتلطّين خلف آلة الموت، ولو بإيمان وبصدور عارية، فلطالما نقل الإيمان الجبال، فكيف بالجبناء؟

All rights reserved. Copyrights © 2025 mtv.com.lb
  • أسرارهم أسرارهن
  • أخبار النجوم
  • سياسة
  • ناس
  • إقتصاد
  • فن
  • منوعات
  • رياضة
  • مطبخ
  • تكنولوجيا
  • جمال
  • مجتمع
  • محليات
  • إقليمي ودولي
  • من الصحافة
  • صحة
  • متفرقات
  • ABOUT_MTV
  • PRODUCTION
  • ADVERTISE
  • CAREERS
  • CONTACT