"خطيئة" وسام الحسن المميتة
01/01/0001
كأنّه ليس مسموحا ً للبنان أن يكون مسؤولا ً عن أمنه ، أو أن يكون لديه جهاز أمني بالمستوى الذي بلغه فرع المعلومات الذي صنعه الضابط الكبير وسام الحسن وكلّفه حياته . فالبلد الصغير يجب أن يظل ّ متنفّسا ً للصراعات الاقليمية والدولية منعا ً لتحوّلها الى حروب كبيرة ، فضلا ً عن انه البلد الوحيد المتاخم لاسرائيل والصالح لأن يكون منصة مباشرة لاطلاق النار على شمالها ، بل على ما بعد شمالها ، وعلى ما بعد ، بعد حيفا وتل أبيب حتى أقاصي جنوبها . وكل دولة تريد أن يكون لها شأن على المسرح الاقليمي والدولي يجب أن تكون لها يد في المسألة اللبنانية ، وفي "أمن لبنان " خصوصا ً . ولعل ّ خطيئة وسام الحسن هي انّه خالف هذه اللعبة ، بل هذا التواطؤ بين اللاعبين ، رغم ما بينهم من عداوات ، فطارد عملاءهم وقطع أرزاقهم ورد ّ لوطنه كرامته ، أو على الأقل بعض الكرامة التي تم ّ تمريغها في الوحل مرّات . وفوق هذا كلّه أوقف مسلسل الاغتيالات السياسية الذي تتواصل حلقاته منذ بدايات الحرب اللبنانية.
أجل ، ليس مسموحا ً للوطن الصغير القائم ، أساسا ً ، على الحرية وكرامة الشخص البشري ، أن يكون حرّا ً كريما ً ، وبالتالي ، ليس مسموحا ً له ان يكون مسؤولا ً عن أمنه ، ولا أن يكون لديه عقل مثل عقل وسام الحسن وطموحه المشروع الرامي الى تمكين لبنان من استعادة بعض سيادته المغتصبة ، فبدا كما لو انّه يتحدّى اللاعبين الكبار ويتجاوز حدوده.
لعلّه كان ينبغي ان يتعلّم وسام الحسن ممّا أصاب بعض أسلافه على هذا الصعيد قبل أربعين عاما ً ، وبالتحديد في العام 1969 ، يوم تجرّأ رئيس الشعبة الثانية في الجيش ـ أو المكتب الثاني ـ غابي لحود على فضح أمرأحد هؤلاء اللاعبين ، أي "الاتحاد السوفييتي العظيم" الذي حاول خطف طائرة الميراج الفرنسية الصنع في سلاح الجوّ اللبناني للوقوف على سر ّ تفوّقها على طائرة الميغ السوفييتية ، وذلك برشوة أحد طياريه الاكفياء ، خبرة وخلقية ، مقابل تهريبها من لبنان الى اذربيجيان ، لكنّه لم يفلح . فبدل أن يسقط الطيار اللبناني محمود مطر أمام هذا الاغراء تطوّع لاسقاط عملاء جهاز الاستخبارات السوفييتي بموجب الخطة الناجحة التي وضعها جهاز الأمن اللبناني لهذه الغاية . لكن كلفتها على هذا الجهاز ، وبالتالي على البلد الصغير لبنان ، بالغة.
ماذا لو تذكّرنا تلك الحرب الضروس على المكتب الثاني ورجاله ، قبل أربعين عاما ً، التي شارك فيها كثر من أهل السياسة عندنا وأدّت في النهاية الى تفكيك هذا الجهاز ، أو على الأقل الى تقليم أظافره ومطاردة ضبّاطه ؟ وماذا لو تذكّرنا ايضا ً تلك المحاكمات التي تم ّ الرجوع عنها وإبطالها ، ولكن بعد إرغام اللبنانيين على التسليم بالقاعدة القائلة ان أمن لبنان موقوف على أمن الآخرين ، بمن فيهم سوريا واسرائيل والجمهورية الاسلامية في ايران ، وكل الذين يتخذون من لبنان ساحة لحروبهم؟
لقد أخطأ وسام الحسن أيضا ً في الارتقاء بفرع المعلومات في لبنان الى أعلى مستوى ، فبدا كما لو انه يتطاول على الكبار ، على عملاء النظام السوري كما على عملاء اسرائيل ، فلم يميّز بين هؤلاء واولئك ، ولا رأى ان هؤلاء هم أرحم مع لبنان من اولئك . وفي النهاية ، ان من حق لبنان أن يدافع عن نفسه ، وبالوسيلة الفضلى : المعلومات ، وبما يتيحه عصر المعلوماتية من علم ومعرفة وخلق وابداع . فلم يوزع ويام الحسن عبوات ناسفة هنا وهنالك ، ولا قابل الاغتيالات باغتيالات مماثلة ، ولا استعمل كواتم الصوت وشتى وسائل القتل ، وكان في ما صنعه الأقرب الى طبيعة لبنان ومعنى وجوده.