حرب غزة والمعادلات المتغيرة
سامي نادر
01/01/0001
تطرح حرب غزة الأخيرة عدة اسئلة حول أهداف هذه الحرب والغرض منها. ولا بد من السؤال عن المستفيد من هذه الحرب، عن مداها الجغرافي والزمني وأخيراً عن توقيتها؟
بغض النظر عن من أطلق الشرارة الأولى، ومن كان المسؤول عن خرق اتفاق وقف اطلاق النار، وعما اذا كان الرد بالصواريخ هو الرد المناسب وفق موازين القوى القائمة، وعما اذا كان الرد على الرد مهيئ ومخطط له وفق هذا التوقيت بالذات، لا بد من الاقرار ان هذه الحرب خرجت عن اطار رد الفعل، ومجرد استمرارها يدل ان هناك اكثر من طرف يجني منها ارباحاً على المستوى الاقليمي والاستراتيجي.
اسرائيل اولاً و نتانياهو تحديداً يعزز من فرص نجاحه في الانتخابات المقبلة وذلك عبر حصد العدد الاكبر من المقاعد لحزبه في الكنيست على نحو يمكنه من ارساء معادلة داخلية توسع هامش مناورته لا سيما تجاه اليمين الضاغط، كما وتسعى اسرائيل ومن خلال هذه الحرب توجيه رسائل عدة لأكثر من طرف اقليمي.
على رأس قائمة "المرسل اليهم" مصر، مصر الاخوان المسلمين تحديداً، التي أعادت تموضعها الأقليمي مع وصول محمد مرسي الى سدة الحكم على نحو يعيد شيئاً من التوازن لسياسة مصر الخارجية، ان كان لجهة عدم الالتحاق بالولايات المتحدة او لجهة شبه الانفتاح على ايران وذلك من دون الخروج عن اطار الاتفاقات والمعاهدات الدولية لا سيما معاهدة كامب دافيد. هذا التناقض وسّع من هامش مناورة مصر ولكن على حساب قوى اقليمية اخرى.
كان الاخوان المسلمون في مصر وما زالوا حلفاء حماس لا بل الراعي الاول لهذا التنظيم. ولهذا السبب ومن هذا الموقع هم مطالبون اليوم ومن قبل اسرائيل بأن يحسموا خيارهم لجهة الاقلاع عن خيارات الممانعة بما فيها وسائلها العنفية. وليست هذه الحرب سوى دفعاً اضافياً لاخراجهم من هذا التناقض وتحميلهم بالمحصلة مسؤولية ما يجري داخل القطاع. فلهذا "التناقض" ثمناً لا بد من دفعه. فإما السير باتجاه كامب دافيد ويكون الثمن شعبياً واسلامياً او المضي في خيارات الممانعة المسلحة ويكون الثمن دبلوماسياً.
استحضار مصر على هذا النحو ومن قبل اسرائيل يشكل محاولة تقويض للاعب برز على الساحة الشرق اوسطية مؤخراً لا سيما من خلال بوابة غزة، و من زاوية سياسية انسانية حشرت اسرايل امام الرأي العام والمحافل الدولية وهو تركيا. ولا شك البتة ان اسطول الحرية مثلاً وتداعياته ازعج اسرائيل أكثر من الصواريخ الأيرانية المطلقة من غزة الى الداخل الاسرائيلي والتي تصور اسرائيل ولو زوراً في دور الضحية، وتطلق من خلال هذا المنطق آلتها التدميرية. فمحاولة جر مصر الى غزة يغيب بطريقة غير مباشرة تركيا الذي تنامى دورها بفعل مواكبتها الفاعلة والجريئة للثورات العربية. فهل تسعى اسرائيل من خلال هذه الحرب الدخول الى طاولة التسويات لمرحلة ما بعد الثورات وعلى ضوء ما يحدث في سوريا تحديداً؟
اذا كان لاسرائيل من خلال هذه الحرب الأهداف الاستراتجية الآنفة الذكر فللمحور السوري الايراني أهدافه أيضاً من خلال استمرارها. فبالرغم من خسارته لحماس التي أعلنت وبوضوح وقوفها الى جانب الثوار في سوريا، ما زال هذا المحور ممسك ببعض الفصائل في الداخل الغزاوي والمناهضة لحماس في اطار الصراع الداخلي على السلطة، و من خلالها متلحفة بورقة الحد الأدنى تمكنها على الأقل من زعزعة الاستقرار لا سيما في غياب تسوية حقيقية تشكل ضامناً له.
وتريد ايران من خلال استمرار هذه الحرب توسيع رقعة صراعها مع الغرب ومع العرب وذلك من اجل ردعهم عن توجيه ضربة عسكرية لمفاعلها النووية، إرتفعت التوقعات بشأنها مؤخراً، ومن اجل ردعهم أيضا عن التدخل في سوريا لجهة دعم الثوار وقد بلغت الامور مفصلاً حاسماً بعد تشكيل الإتلاف الوطني السوري و اعلان بعض الدول الغربية الاعتراف به واعلان البعض الآخر عن استعداده لدعم الثوار عسكرياً. وليس صدفة ان تندلع حرب غزة ساعات بعد هذا الاعلان.
هل هذه الحرب مرشحة ان تطول او ان تتسع؟ لا أعتقد. على الأقل لأن اسرائيل تريد ان تبقيها ضمن قواعد اشتباك محددة من اجل رسم معادلات وتحديد أدوار و تحفيز نتائج انتخابات وذلك من دون تهديدها اذا خرجت الامور عن السيطرة.
وباختصار إيران الى توسع بقعة صراعها مع الغرب والعرب، سورية الأسد تهرب إلى الأمام، إسرائيل نتنياهو تحسن شروط إعادة إنتخابها وتحدد إطار علاقتها مع مصر الاخوان التي بدورها تكتشف حدود قدراتها وفي هذا الوقت... أطفال غزة يدفعون الثمن !