من المفيد في بعض الاحيان التذكير ببعض المفاهيم الاساسية التي هي من ركائز العمل المؤسساتي، لدولة تريد او تسعى الى ان تكون ديمقراطية ، نعم من المفيد التذكير والتصويب لان الامور تضيع في بعض الاحيان، تضيع لان المفاهيم تسيس وتتحول الى شعارات، وعندما تتحول الى شعارات يضيع الحابل بالنابل.

لنأخذ على سبيل المثال مبدأ الاكثرية، ليس منذ زمن في لبنان سقطت حكومة تحت ضغط الشارع وعبر وسائل لا تمت للديمقراطية بصلة، والغطاء لهذا "الشبه انقلاب" كان ان الاكثرية تغيرت، وأمس تحديدا في مصر، انقلب الرئيس على الاكثرية التي أوصلته، انقلب على مبادئ الثورة التي حملته، وحاول حصر كل السلطات بشخصه، ورغم تراجعه في اليومين الاخيرين فهو لا يزال يسعى لتمرير دستور تفرد هو وحزبه بصياغته وهذا النقلاب تم طبعا تحت عنوان "احترام رأي الاكثرية"، الاكثرية أوصلتني الى الحكم وأنا حر بفعل كل ما اريده، ممكن اعطاء أمثلة كثيرة بشأن انقلابات او اضطرابات سياسية من هذا النوع تحت شعار "احترام الاكثرية"، وهنا من المفيد التذكير بالثوابت التالية.

أولا لا يجوز الخلط بين الديمقراطية والاكثرية، الديمقراطية تقوم على احترام حقوق الفرد وعلى سلطة القانون والتوازن بين السلطات أما آليات اتخاذ القرارات فتعتمد جزئيا على مبدأ الاكثرية، فالديمقرطية هي الهدف، والاكثرية ليست إلا أحد الوسائل، فإذا تحولت الاكثرية الى شعار تضرب فيه الديمقراطية، أصبحنا في وضع يمكن تسميته "ديكتاتورية الاكثرية"، أما بشأن صياغة الدساتير فمن المفيد والضروري التذكير ان الدساتير تكتب على قاعدة التوافقية، لا على قاعدة الاكثرية أبدا، لان الدساتير تكتب بذهنية لمّ شمل جميع مكونات المجتمع والتأسيس لسلام مستدام بين أهل البلد الواحد، والدساتير على خلاف الحكومات ليست خاضعة، لمبدأ تداول السلطة، ولضرورة تغييرها كل فترة وجيزة عبر انتخابات تجرى على قاعدة أكثرية وأقلية، هناك أيام هذه التحولات الديمقراطية في الشرق الاوسط الكلام عن الديمقراطية كثير وعن حق، أما نزاعات الاستئثار بالسلطة والتفرد بالقرار كثيرة أيضا، من هنا اليقظة ضرورية، يقظة عبّر عنها الشعب المصري خلال الايام الاخيرة بأجمل وأرقى تعبير.