قيل للعدو ليسمع الصديق
سامي نادر
01/01/0001
لم يفاجىء خطاب الرئيس الأسد البارحة أحداً. جاء وفقاً لما كان متوقعاً ولِما عودتنا عليه هذه الخطابات : صفيق داخل القاعة وتبجيل للقائد ، أما خارجها ، فتنهال بيانات الشجب والرفض لحظة ينتهي الرئيس من القاء كلمته.
وكأن ستون ألف قتيل لم يسقطوا، وكأن ثورة السنتين التي اشعلت حرباً أهلية مزقت سوريا وأغرقتها بالدم ، لم تغير شيئاً بالمواقف انما عمقت الشرخ وأبعدت كل امكانية لحل سلمي للأزمة السورية.
اصرار الرئيس السوري على وصف المعارضين بالارهابيين والمتآمرين والخونة لا يمكن ادراجه الا في خانتين لا ثالثة لهما : إما ما يسمى في علم النفس بال"دينايل" أي عدم الاقرار والإعتراف بالواقع ، او ان الخطاب، وهذا المرجح، يحمل في طياته موقفاً تفاوضياً أو بشكل دقيق أكثر موقف من الفواضات الجارية.
قسَّم الرئيس السوري العالم الى قسمين : عالم عدو ومتآمر ، "الغرب" كما سماه، ومعارضة ارهابيية ملحقة به ، تتلقى اوامرها منه ومن منظمات اصولية متل القاعدة ، وعالم صديق ،على راسه روسيا والصين من غير أن نغفل ايران طبعاً. اما المعارضة المشروعة من وجهة نظره هي معارضة منزوعة السلاح ، مطواعة، و كل معارضة أخرى ليست سوى إجرامية ارهابية.أما وعن لجوء النظام الى العنف فهذا في منطق الرئيس لا يمكن إدراجه إلا في إطار ممارسة حقه المشروع في الدفاع عن النفس. باختصار ردَّ الرئيس السوري كل التهم اللتي وجهت، وما زالت توجه، اليه وحمّلها إلى أخصامه فباتوا مجرمين ، يعتدون على الأبرياء، ينقضون على رغيف الفقراء، يشعلون النيران الطائفية ويسعون الى تقسيم سوريا.
وهنا لا بد من تسجيل الملاحظات التالية :
أولا: التنكر الى واقع ان هذه الثورة بقت طيلة عام سلمية رغم كل العنف اللذي واجهته على أيدي النظام. سنة بكاملها كان خلالها النظام، وعلى عكس ما حدث في مصر و تونس وليبيا واليمن، يتلقى دعم العالم كله للشروع بالإصلاحات الضرورية، عالم على رأسه "الغرب" اللذي تحول فجأة إلى الشيطان الأكبر.
ثانياً : وان كان من أقرار بالواقع في هذا الخطاب فهو الإعتراف أن سوريا في حالة "حرب بكل ما للكلمة من معنى" كما جاء، والتسليم بحالة البؤس والضائقة الحياتية التي يعيشها الشعب السوري من جرائها. وكان ملفتاً تكرار الإشارة الى تقسيم سوريا حتى ولو رمى الأسد بالتهم على الغرب والدول الإقليمية والعربية المتعاونة معه.
ثالثاً : يستند الخطاب إلى منطق الفصل الذي بموجبه ينقسم العالم الى قسمين ، خونة مقابل وطنيين، صورة نمطية تذكر بمنطق مماثل مزق لبنان ومرشح ان يمزق العراق، وهو من حيث مرتكزاته يلغي كل إمكانية حوار على قاعدة المساواة والإحترام المتبادل.
رابعاً :لا بد من تسجيل تناقض فاضح فاستناداً الى ما جاء في "خطاب الاوبرا" يصبح الغرب والقاعدة حلفاء كونهم يواجهون خصماً واحداً، نظاماً واحداً. التناقض الآخر هو سكوت الرئيس عن دعوة "الصديق" الروسي الأئتلاف الوطني المعارض الى زيارة موسكو. فهل من يسأل كيف يمكن للصديق أن يحاور المتآمر والأرهابي.
وهنا بيت القصيد : الكل أصبح على علم بمفاوضات دائرة في الأروقة الديبلوماسية من أجل التوصل الى حل للأزمة السورية على الطريقة اليمنية وبمباركة لا بل مشاركة روسية ، حل يقضي بخروج آمن للرئيس السوري و بتنظيم مرحلة انتقالية تراعي في الحد الأدنى مصالح الأفرقاء المعنيين بالأزمة السورية
وهذا الخطاب ليس و بكلمة واحدة أكثر من محاولة لقطع الطريق أمام أي مبادرة من هذا القبيل. قيل للعدو ليسمع الصديق.