هل تمهّد إسرائيل لتهجير الغزيين نهائيًا من القطاع؟
نايف عازار
8/19/2025 6:27:21 AM
كلّ المؤشرات السياسية والعسكرية تَشِي بأن قطاع غزة المنكوب والذي أمسى "أثرًا بعد عين"، يسير بخطى متسارعة نحو مزيد من المعاناة والتهجير والموت المجاني، وهو الواقع بين "شاقوفي" إجرام حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة يرأسها بنيامين نتنياهو ومكابرة حركة "حماس" وتعنّتها، وهي التي استدرجت إسرائيل في 7 أكتوبر لتتسبّب بمحو القطاع عن الخريطة الفلسطينية، غير آبهة بأرواح الغزيين المغلوب على أمرهم، ولا بردّ فعل الدولة العبرية، التي يحفل تاريخها بالمجازر المرتَكَبة بحق العرب والفلسطينيين على حد سواء.
فإسرائيل التي توعّدت في الأيام الأخيرة باحتلال مدينة غزة، قرنت في الساعات الأخيرة تهديداتها بأفعال، فقد صدّق رئيس الأركان إيال زامير على خطط احتلال المدينة المنكوبة أصلًا، ليتبع ذلك بدء مرحلة إخراج الغزيين أو بالأحرى تهجيرهم من المناطق المستهدفة إلى مدينة رفح، والتي باتت تُعرف بحسب الوصف الإسرائيلي بـ "المدينة الإنسانية"، بيد أنها على أرض الواقع "سجن لاإنساني كبير"، يمهّد لتهجير الغزيين نهائيًا من القطاع، وهو الهدف العميق والحقيقي للدولة العبرية.
وإذا كان رئيس الأركان عارض في بادئ الأمر خطة احتلال مدينة غزة حرصًا على حياة من تبقّى من أسرى إسرائيليين في قبضة "حماس"، وسط معلومات عن إمكان وجودهم في المدينة أو في مناطق أخرى سيشملها الهجوم الإسرائيلي الموسّع، عاد زامير في نهاية المطاف لينصاع إلى القرار السياسي، بعد الاكتفاء بتسجيل تحفظه عليه.
توازيًا، كشف موقع "واللا" الإسرائيلي أن خطة احتلال مدينة غزة ستكبّد "حماس" خسائر فادحة، إلّا أنها ستنطوي في الوقت عينه على مخاطر مهولة للجيش الإسرائيلي. كما أفاد الموقع عينه بأن وزير الدفاع يسرائيل كاتس سيطّلع اليوم على خطة تشمل مشاركة زهاء 80 ألف جندي في حملة تهدف إلى تطويق المدينة واحتلالها، في خطوة ترمي للضغط على الحركة وإعادة إطلاق مفاوضات وقف النار عبر الوسطاء العرب والغربيين، خصوصًا أن تل أبيب أبلغت هؤلاء المفاوضين بضرورة إعادتهم "حماس" إلى طاولة المفاوضات، وإلّا سيكون الثمن بدء أولى مراحل احتلال مدينة غزة.
وبحسب المراقبين، يُتَوقع أن تستمرّ "عملية تركيع" المدينة تمهيدًا لاحتلالها حوالى أربعة أشهر، ويرون أن الخطة ليست "عملياتية"، بل تحمل في طياتها نهجًا تهجيريًا وتدميريًا لما تبقى من قطاع غزة، حيث سيتم القضاء على كلّ معالم الحياة في المدينة، تمهيدًا لتهجير سكانها بالكامل، وبالتالي القضاء على الوجود الفلسطيني فيها.
في هذا الوقت، أنحى بعض الإعلام العبري باللائمة على نتنياهو، معتبرًا أن استمرار الحرب على غزة يصبّ في خانة تماسك ائتلافه الحكومي. فالكاتب في صحيفة "هآرتس" يائير غولان اعتبر أن المصلحة الأمنية لإسرائيل تقتضي إسقاط حُكم "حماس" وإنهاء الحرب، لكن نتنياهو يختار مرّة أُخرى سياسة "حماس هي رصيد". فهو يختار، وفق غولان، مرّة أخرى، خطوات تعرّض أمن إسرائيل للخطر من أجل مصلحته الشخصية، لأن الحرب التي لا تنتهي هي الإغراء الوحيد الذي يُبقي على تماسُك حكومته، التي تعتمد على عناصر "مسيانية" متطرّفة، إذ إنه بالنسبة إلى شريكَيه، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، فإن كل يوم إضافي من الحرب هو "يوم معجزة آخر"، حتى لو كان مشبّعًا بالدم والمعاناة الإنسانية الهائلة.
الصحيفة عينها دعت في إحدى افتتاحياتها إلى وقف كلّ شيء حتى عودة جميع الأسرى، واصفةً الإضراب الذي عمّ إسرائيل الأحد المنصرم للمطالبة بإطلاقهم بـ "المهمّ للغاية"، لأنه بحسب الصحيفة، يشكّل وصمة عار على جبين الحكومة، خصوصًا على رئيسها، لأنه المسؤول الأوّل عن إخفاق 7 أكتوبر، وكان يجب أن يستقيل فورًا. وواصلت "هآرتس" هجومها على "بيبي" معتبرةً أنه لا يرى في قضية الأسرى، سواء أكانوا مواطنين أو جنودًا اختُطفوا في عهده، سوى عبء، وبالنسبة إليه، بقاؤهم في غزة يعرقل تحقيق "النصر الكامل". وختمت الصحيفة بالقول إنه بدلًا من جعل تحرير الأسرى المهمّة الأهمّ التي تُبنى عليها كلّ القضايا، يفضّل نتنياهو التشبّث بمواقفه وتعريض حياتهم للخطر، عبر "خطة غزو مدينة غزة".
الكاتب في صحيفة "معاريف" عميت يغور رأى أنه حتى الآن، استراتيجية بلاده الفعلية في مواجهة "حماس" هي خوض حرب استنزاف، وليس حرب حسم، معتبرًا في الوقت عينه أن الحركة في وضع صعب من الناحية السياسية، وليس من ناحية القدرة على إدارة حرب عصابات ميدانية في المدى الطويل، إذ إنه للمرّة الأولى بحسب الكاتب الإسرائيلي، يتكوّن إجماع واسع، سواء في أوساط دول الغرب أو بين الوسطاء، على أن "حماس" مطالَبة بنزع سلاحها وإنهاء حُكمها في القطاع. وقدّر يغور أن تكون بلاده اقتربت من القضاء على الحركة أكثر من أيّ وقت مضى، رغم أن المعركة العسكرية الكثيفة ستُكلّف إسرائيل أثمانًا بشرية، لكن الضربة الموجّهة إلى الخاصرة الرخوة لـ "حماس"، أي نزع سيطرتها على السكان، هي التي ستؤدّي إلى تدهور أسرع على مستوى الوعي، وفق الكاتب الإسرائيلي.
وبعد كل ما تَقدَّم يبقى السؤال: هل تنجح تل أبيب التي تُمسك في يدها بورقة "خطة احتلال مدينة غزة" بإعادة جلب "حماس" المنهَكة إلى مائدة المفاوضات غير المباشرة بشروطها، تمهيدًا للتوصل إلى اتفاق ينهي مذبحة القطاع؟ أم تمضي الحركة في نهج القتال حتى آخر رمق طفل غزي جائع؟